د.عماد جاد
أيدت محكمة جنح الهرم الحكم بسجن الفنان عادل إمام ثلاثة أشهر بتهمة ازدراء الدين الإسلامى فى أعماله الفنية، جاء الحكم بناء على دعوى أقامها محام ضد الفنان عادل إمام، وقد قضى الحكم أيضا بتغريم الفنان ألف جنيه لوقف التنفيذ، وأعلن فريق الدفاع عن الفنان أنه سوف يستأنف الحكم، بينما تحرك الجانب الآخر لرفع دعوى ضد عدد من المبدعين الذين شاركوا الفنان عادل إمام أعماله الفنية من مؤلفين (لينين الرملى، ووحيد حامد) ومخرجين (شريف عرفة، ومحمد فاضل، ونادر جلال). ويأتى هذا الحكم ليكون عنوانا للمرحلة التى تعيشها بلادنا، فقد وصلت مصر إلى مرحلة يلاحَق فيها المبدعون من أبنائها، وتُعرَض على برلمانها مشروعات قوانين لإعفاء المتحرش من عقوبة التحرش، على اعتبار أن التحرش مسؤولية كل من تم التحرش بها، فالذكر دائما على صواب والمرأة مجرد أداة للمتعة، يُعرَض على برلمانها اقتراح بوقف تدريس اللغة الإنجليزية للأطفال. مصر الآن تعيش مرحلة انتقالية مفتوحة على احتمالات مختلفة، فقد تتجه نحو نموذج أفغانى أو صومالى، وقد تخرج سالمة من المحنة الحالية وتستيعد روحها وتسترد هويتها. الصراع الآن على أشده بين من يريد تحويل مصر إلى نموذج يتراوح ما بين الأفغانى والصومالى، وبين من يريد الاعتبار لمصر مصرية، مصر المعتدلة المتزنة التى عرفت التوحيد قبل اليهودية والمسيحية والإسلام، مصر التى يتسم شعبها بالطيبة والتدين، التسامح والتعايش، الجمع بين حضارات وثقافات، مصر البوتقة التى صهرت كل من حل على أرضها من فكر وبشر، هضمته وأضافت عليه قدرا من ذاتها، مصر التى لم تقبل يوما من الأيام أن تكون مجرد رقم بين الأمم، عندما اعتنقت المسيحية، قام المصريون بنشر العقيدة فى قلب أوروبا وأطراف قارات العالم القديم، ولم تقبل إلا أن تكون كرسيا يضارع الكرسى الرسولى فى الفاتيكان. وعندما تحول غالبية المصريين إلى الإسلام، لم تتحول مصر إلى مجرد ولاية أو دولة ضمن ولايات الخلافة، بل امتلكت الأزهر بمكانته العالمية، تسامحت مع الجميع، واحتضنت الجميع وقدمت نموذجا فى التعايش مع المذاهب والابتعاد عن الغلو والتشدد، مما يجرى حاليا من مشاهد فى أنحاء مختلفة من مصر لا يمكن التعامل معه على أنه صورة مصر الحقيقية، بل محاولات لاختطاف مصر وروحها لحساب نمط حياة لم يعش تجربة مصر، نمط حياة يتسم بالجفاف الشديد. لا بد أن ندرك أن الصراع يجرى حاليا على روح مصر، فالصراع يستهدف طمس روح مصر وتغيير هويتها.. الصراع بدأ منذ أن جاء السادات إلى رأس السلطة فى مصر، فبدأ فى تغيير هوية مصر واستهدف روحها، بدأ منذ فتح أبواب مصر أمام الخليج العربى ليجتاح مصر ويغير من معالمها، بدأ منذ جرى نزع «الموديل العارى» من كليات الفنون الجميلة والتطبيقية، بدأ منذ نجح عدد من الدعاة فى إقناع المصريين بكراهية واحتقار تاريخ بلدهم، عندما أقنعوا البسطاء من المصريين بأن التاريخ الفرعونى لا يوجد فيه ما يدعو إلى التفاخر، عندما تركناهم يقولون لبسطاء المصريين إن الفراعنة كانوا ملحدين كفرة، ولم يرد أحد، إلا القليل من الشخصيات المصرية الرائعة، وفى مقدمتها الدكتور وسيم السيسى، بأن الفراعنة عاشوا فى زمن سابق على الديانات الإبراهيمية، احتضنوا موسى، واستقبلوا المسيح، ووفروا الحماية لكثير من الفارين من المواجهات فى الجزيرة العربية.. ما نشهده اليوم من ظواهر وهويتها إنما يمثل ذروة المعركة على روح مصر وهويتها، وهى معركة فاصلة، لا مجال للتقاعس فيها أو لزوم الصمت، لذلك لا بد أن تتحرك كل القوى المدنية المصرية من أجل الدفاع عن روح مصر، عن مصر مصرية، معركة تتنظر الغالبية من المصريين حسمها لصالح الهوية المصرية، وأحسب أن استهداف الفنان عادل إمام ورفاقه إنما يمثل نقلة نوعية فى استهداف روح مصر وهويتها، لذلك لا بد أن يكون الرد على مستوى خطورة المعركة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق