المشاركات الشائعة

الاثنين، 30 أبريل 2012

من يدفع ثمن الكرامة؟ لعلاء الأسوانى بالمصرى اليوم



تصور أنك تعمل فى شركة وأن أحد زملائك تطاول عليك بألفاظ غير لائقة، عندئذ - غالباً - ستعترض على تطاول زميلك وتوقفه عند حدوده.. لكن ماذا يحدث لو أن رئيس الشركة هو الذى تطاول عليك؟.. هنا يجب أن تحسب الأمر جيداً.. فالذى تطاول عليك رئيس الشركة، الذى يملك أن يرقيك ويزيد راتبك ويملك أيضاً أن يخصم من راتبك أو يطردك من العمل.. ستكون بين اختيارين: إما أن تدافع عن كرامتك، مهما يكن الثمن، وإما أن تقبل الإذلال لتحتفظ بعملك.
هذه المقدمة ضرورية لنفهم ما يحدث للعاملين المصريين فى السعودية.. ليس من حقنا بالطبع أن نعمم أو نطلق أحكاما جزافية، كما أننا لا نقصد أى سوء بالشعب السعودى الذى نقدره ونعتز به فى مصر، لكننا نتحدث عن آلاف المظالم الموثقة التى حاقت بالمصريين على مدى عقود. أولى وكبرى هذه المظالم نظام الكفيل الرهيب، «الذى تعتبره الأمم المتحدة نوعاً من العبودية»، الكفيل يتطفل على جهد الآخرين.. فأنت تعمل طبيباً مثلا لكن شخصا آخر يحصل على جزء من راتبك - دون أن يعمل - مكافأة له على أنه سعودى، بل إن هذا الكفيل يمتلك حقوقا عليك ربما لا يمتلك مثلها على زوجته وأولاده.. فأنت لا تستطيع أن تسافر داخل السعودية أو خارجها دون موافقته، وشكوى بسيطة منه قد تؤدى إلى طردك من عملك، وربما إلى إلقائك فى السجن.. ويكفى أن تبحث فى تقارير منظمات حقوق الإنسان أو فى أضابير الخارجية المصرية لتفزعك آلاف الحالات التى تم فيها نهب مستحقات المصريين أو طردهم أو اعتقالهم بغير ذنب . هذا الظلم البين لكثير من المصريين فى السعودية استمر ثلاثة عقود للأسباب الآتية:
أولاً: الفقر والبطالة فى مصر.. فالذين يسافرون إلى السعودية قد ضاقت بهم سبل العيش فى بلادهم، وهم مستعدون غالبا لتحمل كل شىء حتى يوفروا قوت أولادهم.. الكفيل يشترى جهد الآخرين، ولأنه يملك المال فهو يستطيع أن يغير بضاعته البشرية ببضاعة أخرى. مصريون كثيرون يتعلقون بعملهم فى السعودية تعلق الغريق بالقشة، ويتحملون ظروفاً ظالمة لأنهم ليس لديهم اختيار آخر. منذ أعوام تم القبض على طبيبين مصريين يعملان فى السعودية وحوكما فى ظروف غامضة وحكم عليهما بالسجن والجلد.. كتبت آنذاك دفاعا عن حقهما فى محاكمة عادلة فتدفقت علىَّ عشرات الخطابات من القراء تحكى لى حكايات محزنة يتعرض فيها المصريون لمعاملة ظالمة ومهينة، على أن الغريب أن بعض القراء كتبوا يطلبون منى ألا أدافع عن الطبيبين المظلومين خوفاً من أن تغضب السلطات السعودية وتطرد المصريين من أعمالهم.
ثانياً: كان نظام «مبارك» نفسه يهين مواطنيه ويعذبهم ويعتدى على حقوقهم، مما يجعل موقفهم غير منطقى ولا مقبول إذا تظاهروا بالحفاظ على كرامتهم فى الخارج .. ولأن المجلس العسكرى امتداد لـ«مبارك» فى الفكر والفعل فهو الآن فى موقف «مبارك» نفسه.. هل يحق للمجلس العسكرى أن يغضب إذا أهين مصرى فى السعودية أو تم اعتقاله بغير وجه حق، بينما المجلس العسكرى ذاته يعتقل آلاف المصريين ويتركهم يقتلون فى مذابح متوالية، ويسحل جنوده المواطنات المصريات ويهتكون أعراضهن على الملأ؟!.. هل يمكن للمجلس العسكرى أن يصون كرامة المصريين فى الخارج بينما هو أول من يهدرها فى مصر؟!
ثالثاً: القانون فى السعودية غير مطابق لمعايير العدالة الدولية.. الناس هناك أمام القانون ليسوا سواسية وإنما درجات، كلٌ وفقا لجنسيته ونفوذه.. القانون الذى يطبق على المصريين فى السعودية يستحيل أن يطبق على الأمريكيين أو الأوروبيين، والقانون هناك لا يطبق أبدا على أمراء آل سعود الذين يتم استثناؤهم من أى قانون، فهم يفعلون ما يريدون فى أى وقت وبالطريقة التى يريدونها.. هذا المفهوم للقانون الذى ينتمى إلى العصور الوسطى لا يجعل المصرى يحصل على أبسط حقوقه القانونية فى تحقيق قانونى نزيه ومحاكمة عادلة.
رابعاً: بعد حرب أكتوبر عام 1973 تضاعف سعر النفط عدة مرات ليصنع من السعودية قوة إقليمية كبرى، وقد حدث هذا الانتعاش أساساً بسبب حرب خاضها الجنود المصريون ودفعوا حياتهم ودماءهم ثمنا للنصر فيها، مما جعل الرئيس الراحل أنور السادات يطلب رسميا من مجلس التعاون الخليجى أن تكون لمصر وسوريا نسبة ثابتة فى عائد النفط، لأن الازدهار النفطى جاء بفضل الله وتضحيات الجنود المصريين والسوريين. لم تتم الاستجابة إلى طلب السادات، لكن مال النفط الوفير تدفق على مصر فى أشكال أخرى، أولها تدعيم الفكر الوهابى المتطرف بملايين الدولارات لأسباب سياسية، فالنظام السعودى قائم بالأساس على تحالف مشايخ الوهابيين مع آل سعود، وبالتالى فإن انتشار المذهب الوهابى فى مصر والعالم يؤدى فى النهاية إلى استقرار النظام السعودى. النتيجة الثانية لتدفق مال النفط على مصر هى إنشاء شبكة من المصالح فى كل مكان ترتبط بالسعودية ارتباطا وثيقا، أينما ذهبت فى مصر ستجد مصريين مصالحهم وثيقة مع السعودية، بدءاً من العاملين فى وسائل الإعلام السعودى إلى مشايخ السلفية الذين يعملون فى قنوات دينية سعودية برواتب فلكية، إلى كثيرين من مشايخ الأزهر الذين يقومون بالتدريس فى جامعات سعودية، إلى رجال أعمال يعملون مع السعوديين .. حتى مرشحى الرئاسة لا يجرؤ أغلبهم على توجيه نقد حقيقى للنظام السعودى دفاعا عن حقوق المصريين.
هكذا كان المشهد طوال حكم مبارك. المصريون يتم الاعتداء على حقوقهم داخل الوطن وخارجه بلا أدنى مساءلة أو حساب، ثم قامت الثورة، فاتخذ النظام السعودى موقفا واضحا ضدها ومارس ضغوطا غير مسبوقة على الرئيس الأمريكى أوباما من أجل إنقاذ نظام مبارك، ثم من أجل منع محاكمته. كان عداء النظام السعودى للثورة طبيعياً لأن إقامة ديمقراطية حقيقية فى مصر ستشكل نموذجا للعالم العربى كله وتهدد الحكم السعودى الاستبدادى الذى مازال يقاوم أى إصلاح سياسى حقيقى فى بلاده .. فى وسط هذا المشهد المتوتر لم يدرك النظام السعودى مدى التغيير الذى أحدثته الثورة فى سلوك المصريين، وقد تجلى ذلك فى قضية الأستاذ أحمد الجيزاوى المحامى. «الجيزاوى» محام شجاع ثورى دافع عن ثوار كثيرين أمام المحاكم العسكرية، ثم انتقل إلى الدفاع عن المصريين المعتقلين دون محاكمة فى السعودية ما دفعه إلى أن يختصم قضائيا الملك السعودى نفسه.. ذهب أحمد الجيزاوى وزوجته لأداء العمرة وهو مطمئن إلى أن النظام السعودى لا يمكن أن يعاقبه على مواقفه السياسية، حيث إن الإسلام يعتبر كل من يحج أو يعتمر ضيفا للرحمن لا يجوز لأحد أن يمسه بمكروه، لكن للأسف ما إن هبط «الجيزاوى» فى السعودية حتى تم اعتقاله، وقيل لمن سأل عنه إنه سيتم جلده وسجنه لأنه أساء إلى ملك السعودية، ثم مرت عدة أيام قبل أن تعلن السلطات السعودية أنها عثرت مع «الجيزاوى» على أكثر من 21 ألف قرص مخدر.. هذا الاتهام الساذج لا يستحق المناقشة.. «الجيزاوى» مناضل شجاع اعتقل عدة مرات دفاعا عن مبادئه ما الذى جعله يتحول فجأة إلى تاجر مخدرات؟!.. وهل هو من الغباء بحيث يسافر بهذه الكمية من المخدرات التى يستحيل الخروج بها من مطار القاهرة، حيث يتم الكشف على الحقائب جميعا بالأشعة السينية؟!.. كما أن هذه الكمية من الأقراص يزيد وزنها على 60 كيلوجراما، والوزن المسموح به لا يزيد على 30 كيلو، وسجلات مطار القاهرة تؤكد أن وزن حقيبة «الجيزاوى» وزوجته لم يزد على المسموح.. ثم لماذا لم تعلن السلطات السعودية عن حدوتة المخدرات الخائبة هذه من البداية، وأين الفيديو الذى يصور تفتيش الحقيبة فى مواجهة «الجيزاوى» (كما ينص القانون الدولى)، ولماذا تركت السلطات السعودية زوجة «الجيزاوى» وقبضت عليه، بينما حقيبة المخدرات المزعومة تخصهما هما الاثنين؟!.. لقد تم تلفيق التهمة لـ«الجيزاوى» بطريقة ساذجة ومشينة، ولعل السلطات السعودية لم تتوقع أى رد فعل مصرى جاد . فالذى حدث مع «الجيزاوى» قد حدث من قبل مع مصريين كثيرين اعتقلوا وطردوا من أعمالهم ظلما ولم يحدث شىء... إلا أن الثورة أعادت إلى المصريين إحساسهم بالكرامة فخرجت المظاهرات الحاشدة أمام السفارة السعودية تندد بالظلم وتطالب بمحاكمة عادلة لـ«الجيزاوى». المظاهرات فى العالم كله وسيلة احتجاج مشروعة عادة ما تستعمل رسوما عدائية ضد المسؤولين، ولو أن هذه المظاهرات حدثت ضد السفارة السعودية فى لندن أو واشنطن لما جرؤ النظام السعودى على الاعتراض، لكن أن يتجرأ المصريون على المطالبة بحقوقهم فهذا شىء لم يعتده النظام السعودى ولم يتقبله.. سحبت السعودية سفيرها للتشاور وأغلقت سفارتها عندئذ ارتبك نظام مبارك بشدة، فاعتذر «الجنزورى» واعتذر وزير الخارجية الذى سارع القنصل التابع له فى السعودية بإدانة «الجيزاوى» قبل أن يحضر التحقيق، واعتذر مشايخ الأزهر «لا يعرف أحد لماذا»، بل إن صفحة المجلس العسكرى على «فيس بوك» أرجعت الأزمة بين مصر والسعودية إلى الأقلام المأجورة!!
نظام مبارك الذى مازال يحكم مصر يتصرف على طريقة مبارك.. لقد اعتذرت الدولة المصرية كلها لمجرد أن المصريين تجرأوا وطالبوا بمحاكمة عادلة لمواطن مصرى.. أما الإخوان المسلمون الذين رفضوا الاعتذار عن صفقتهم مع المجلس العسكرى وتخليهم عن مبادئ الثورة من أجل مصالحهم، فقد سارعوا بالاعتذار للسعودية على لسان «الكتاتنى»، رئيس مجلس الشعب. العلاقات الوطيدة بين النظام السعودى والإخوان أهم لديهم من كرامة الشعب المصرى.. إن الذين يتخلون عن حقوق «الجيزاوى» هم أنفسهم الذين تخلوا عن الثورة المصرية: المجلس العسكرى وحكومة «الجنزورى» والإخوان المسلمون.. لم يبق إلا الثورة لتدفع ثمن كرامة المصريين وتطالب بمحاكمة عادلة لـ«الجيزاوى». بإغلاق السفارة السعودية ومنع التأشيرات للمصريين يريد النظام السعودى أن يؤكد حقه فى أن يفعل بالمصريين كما يريد دون أن يحاسبه أحد.. هذه رسالة مرفوضة وعلى الحكومة السعودية أن تدرك أن زمن إهدار كرامة المصريين مجانا قد ولّى إلى غير رجعة. سنظل نؤيد حق «الجيزاوى» فى محاكمة عادلة ونطالب بالإفراج عن كل المعتقلين المصريين فى السجون السعودية وتعويضهم وأسرهم عن الظلم الذى أصابهم.. إن الشعب المصرى، الذى قدم مئات الشهداء وآلاف المصابين من أجل الحرية، لن يسمح بالاعتداء على كرامة مصرى واحد داخل مصر أو خارجها.
الديمقراطية هى الحل

الأحد، 29 أبريل 2012

الإخوان لا يريدون دستوراً توافقياً بقلم د. محمد أبوالغار بالمصرى اليوم


انتهت المفاوضات بين جميع القوى الوطنية فى مصر وبين التيار الإسلامى بقيادة الإخوان المسلمين بالفشل، وذلك لتعنت الإخوان وعدم موافقتهم على أن دستور أى بلد فى العالم لا بد أن يكون دستوراً توافقياً بين كل أطياف الشعب، وكلمة توافقى تعنى الاتفاق بأغلبية كبيرة جداً، إن لم يكن بالإجماع، وقد اتفق الدستوريون جميعاً على أن كل الأمور شديدة الأهمية داخل وخارج البرلمان التى من الممكن أن تؤثر على مستقبل الأمة يجب أن تكون بالتوافق، وهناك اتجاه دولى عام بأن أغلبية الثلثين على الأقل يجب أن تتوفر فى كل بند من بنود الدستور أو أى قرار مستقبلى مهم، والحكمة فى ذلك واضحة تماماً: أن أغلبية برلمانية فى لحظة معينة من التاريخ لا يمكن أن تقرر مستقبل أمة وتكتب دستورها على هواها، لأن هذه الأغلبية من الممكن أن تكون غير موجودة بعد سنوات قليلة وبالتالى فإن الذى يقرر ذلك هو التوافق الوطنى بين كل الأطياف.
 توقف المفاوضات حدث بسبب إصرار الإخوان على كتابة دستور على مزاجهم الخاص وليس بتوافق الأمة، وبالتالى إصرارهم على رفض مبدأ الثلثين فى التصويت على كل بند من بنود الدستور على حدة، وهى أقل نسبة ممكن القبول بها لإيجاد حد أدنى من التوافق، وكذلك رفضهم القبول بأسباب حكم المحكمة الإدارية العليا.
ومن المعروف دولياً وتاريخياً أن اللجنة التى تكتب الدستور لا يمكن أن يمثل فيها أى تيار سياسى بأكبر من نسبة محددة. إن دستور ١٩٢٣ الذى كان حزب الوفد هو التيار الأكبر فى حينه تم تمثيله بثلاثة أعضاء فقط فى لجنة الثلاثين التى وضعت الدستور. وفى دستور ١٩٥٤ الذى لم ير النور كان الإخوان فى ذلك الوقت القوة الكبرى فى الشارع المصرى قبل أن يطيح بهم عبدالناصر وقد تم تمثيلهم بثلاثة أعضاء من خمسين. إذاً فكرة تيار غالب يقصى الجميع كما حدث فى اللجنة الأولى التى أفرزها الإخوان وكانت الغلبة فيها للتيار الإسلامى وانتهت بانسحاب القوى الأخرى، ثم حكم المحكمة بحل اللجنة على أن يعاد تشكيلها من خارج البرلمان - هى فكرة غير دستورية وضد التوافق.
إذا كان الإخوان يريدون أن يكتبوا دستوراً دون توافق فليكتبوه وحدهم، ويصوتوا عليه فى استفتاء وحدهم أيضاً، ليصبح دستوراً إخوانياً وليس دستوراً لمصر وسوف يستمر معدوم الشرعية مهما فعلوا وقالوا وأعلنوا.
إن ما وعد به الإخوان اتضح أنه غير صحيح، ويعتقد الكثيرون أن الإخوان يريدون لجنة على مقاسهم وتحت أمرهم، يوظفون قلة من القوى المدنية تعد على الأصابع لمساعدتهم وتقديم خدمات لهم مقابل الفتات، ونسوا أو تناسوا أفكارهم وتاريخهم وتاريخ أحزابهم.
ما يقوله الشارع المصرى الآن أن الإخوان يريدون ثلاثة أمور فى الدستور، أولها أنهم يريدون أن يكون رئيس الجمهورية له صلاحيات محدودة للغاية حتى يتحكموا بالأغلبية البرلمانية فى كل مقدرات الوطن، ونحن نعتقد أنه يجب أن يكون هناك توازن بين سلطات رئيس الجمهورية والبرلمان، وهم يخططون فى هذه الحالة بتعيين قائد الإخوان رئيساً للوزراء ومعه صلاحيات مطلقة تفوق بكثير صلاحيات رئيس الجمهورية.
نحن بالطبع لا نريد دستوراً يعطى أى رئيس صلاحيات «مبارك» الجنونية، ولكننا أيضاً لا نريد رئيساً مغلول اليدين لا حول له ولا قوة وعليه فقط أن يستقبل السفراء ويفتتح المعارض. يجب أن يكون هناك رئيس له سلطات قوية ومتوازنة مع سلطات البرلمان ورئيس الوزراء وذلك لحماية مستقبل الديمقراطية.
الأمر الثانى أنهم يقولون إن الإخوان يريدون أن يضعوا فى الدستور مادة تمنع حل البرلمان بحكم المحكمة تحسباً لاحتمال أن تصدر المحكمة الدستورية العليا حكماً بحل البرلمان، وكما نعلم فإن النقطتين الأولى والثانية، إذا صح ما يقال، فهما تعنيان أن الإخوان يريدون إضافتهما لمصالح شخصية بحتة ليس لها علاقة بمستقبل مصر ومصلحتها، التى تقتضى أن يكون هناك توازن بين السلطات لتفادى ما حدث فى عهد «مبارك» حين كانت السلطة مركزة فى شخص واحد فقط وحدثت لنا الكوارث المعروفة.
 كما أنه يجب أن تظل سلطة القضاء بجميع أنواعه مستقلة تماماً بعيداً عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأن ينفذ الجميع حكم المحكمة. يبقى بعد ذلك الأمر الثالث وهو أمر مهم لمستقبل هذا الوطن وهو الإبقاء على المادة الثانية من الدستور كما هى، وهو الأمر الذى أعتقد أن الإخوان موافقون عليه ولكن حزب النور السلفى يريد تغيير هذه المادة، وفى هذه الفترة يغازل الإخوان حزب النور والسلفيين لفترة محدودة لأنهم يريدون مساندتهم فى انتخاب رئيس جمهورية وبعد ذلك يتصرفون كما خططوا وينسون جميع الاتفاقات السابقة كما حدث ويحدث دائماً وأبداً. ولذا لا نعرف رأيهم فيما أكدوه سابقاً بالحفاظ على المادة الثانية والحريات الشخصية والعامة، وأن يحصل الأقباط على حقوق المواطنة الكاملة ويتم حماية الكنائس.
إن مستقبل مصر فى خطر شديد ومشروع النهضة الذى ينادى به الإخوان لن يتحقق أى شىء منه دون اشتراك المصريين جميعاً، وأى إقصاء لمجموعة أو أفراد سينتهى بصدام ومشاكل تستنفد جهودنا ووقتنا ولن تؤدى إلى نهضة. على جميع القوى الوطنية وعلى الإخوان وعلى السلفيين الاتفاق على أن الدستور القادم لابد أن يكون توافقياً، حينئذٍ تتوحد القوى لبناء مصر، ويد واحدة مهما كانت ضخمة وقوية ومنظمة لن تبنى شيئاً لأن مصرنا العظيمة الكبيرة والجميلة أكبر منا جميعاً.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.


كرامة مصر فى القمامة . .. لوائل قنديل بالشروق


لا جديد.. النظام هو النظام والخارجية هى الخارجية، ومبارك لايزال موجودا، فلماذا نتوقع موقفا محترما من سفير مصر فى السعودية فى قضية المحامى أحمد الجيزاوى؟

لقد نطق السفير مرددا الرواية الرسمية السعودية بحذافيرها، وهى رواية لا تقنع طفلا، ومعلوم أنها اختلقت واخترعت على عجل، بعد اندلاع الغضب عقب إعلان اعتقاله فى المطار واتهامه بالعيب فى الذات الملكية.

إن السفير لم يختلف فى أدائه عن سلفه فى السعودية عام 1995 حين كان عمرو موسى وزيرا للخارجية، وجلد الطبيب المصرى محمد كامل لأنه صرخ دفاعا عن ابنه الذى تعرض للاغتصاب من قبل مواطن سعودى.

فى ذلك الوقت ضحت الحكومة المصرية وخارجيتها بكرامة مواطن، ظنا منها أنها تحمى مصالح الوطن العليا، فسقطت فى اختبار السياسة، كما سقطت فى اختبار الأخلاق، فكان أن حاول الخطاب الدبلوماسى التقليل من أهمية الواقعة وخطورتها، على أنها حالة فردية، وكانت قمة الانحطاط الحضارى عندما تحول الطبيب المصرى ــ الضحية ــ إلى متهم فى بعض وسائل الإعلام الحكومية المصرية، وبعد أن تعرض للجلد بالكرباج فى السعودية، جلدوه بسياط الكلام الوضيع فى مصر، ورأينا وسمعنا السيد مفيد فوزى ينهال على الرجل طعنا وتجريحا، ويلومه على أنه صرخ وتكلم وانتفض غضبا لما وقع لابنه الطفل، ووصلت البجاحة منتهاها عندما اتهموا والد الضحية بأنه الجانى كونه تحدث ففضح ابنه، بينما كان يجب عليه أن يبتلع الإهانة والمذلة ولسانه ويصمت ولا ينطق بكلمه.

وإذا كان ذلك ممكنا فى ظل نظام كان يفاخر بأنه يهتم بالمبلغ أكثر من اهتمامه بالمبدأ، وينشغل بالثمن على حساب القيمة، ويمد يده هنا وهناك، فإن هذا النظام من المفترض أنه سقط، بفعل ثورة قامت من أجل الكرامة الإنسانية، وكان من المتوقع أن نرى رد فعل مختلفا فى اختبار الجيزاوى، غير أن الإجابة جاءت من أرشيف الأداء الدبلوماسى المصرى، ووجدنا السفير يردد ما يملى على مسامعه من قبل السلطات السعودية.

ومرة أخرى.. سعر المواطن يتحدد بالعملة المحلية، حيث يكتسب قيمته من وضعه داخل حدود بلده، فإذا كان مهانا مسحولا فى بيته، فكيف نتوقع أن يكون مكرما وعزيزا فى الخارج؟

إن سلطة ألقت بثوار وثائرات فى القمامة على مرأى ومسمع من العالم كله، من العبث أن ننتظر منها شيئا غير التصريحات الوردية الكاذبة عندما يهان مواطن مصرى فى الخارج.
لقد ألقوا بأنبل ما فى شباب مصر فى قمامة الداخل، فلماذا نتوقع تعاملا مختلفا على مستوى الخارج؟

الجمعة، 27 أبريل 2012

بدون تقديم هذه كلمات مالك مصطفى: .. لوائل قنديل بالشروق



على الصفوف الأولى.. كان ثابتا لا يتحرك.. حاولت إخباره بأننا لابد أن نكر ونفر لكى نتعبهم.. ولكى نتحاشى آثار الغاز إلى أن نستطيع إشعال أى إطارات أو بلاستيك ليوقف مرور الغاز الينا.. تطلع إلى ان قدمى سليمة وانى استطيع الكر والفر.. اما هو ان تحرك من مكانه لا يستطيع العودة وانه يفضل الاستشهاد هنا.. لم اعرف اسمه ولم يعرف اسمى.. كنا جميعا فردا واحدا خاصة من يستطيعون الركض والتصويب.. ودائما كنت تسمع منا نفس التعليقات «اللى مابيعرفش يحدف، يرجع ورا».. «مش جدعنة انك تحدف طوب وتيجى فى زميلك».. «اللى مابيعرفش يحدف، يولع فى الزبالة أو يكسر طوب».. دائما ستجد احدنا مبتسما محاولا اقناع احد الشباب بالعودة إلى الخلف لأن وجوده غير مفيد بل مضر.. وجوه كثيرة كانت بجوارى أراها صورا الآن بخط اسود فى الزاوية.. واسما مسبوقا بلقب شهيد.. لم يعرفهم الكثيرون.. لم يحتفل بهم احد.. لم ينتبه لما قاموا به قبل استشهادهم الكثير.. لم يعلموا ان ذلك الفتى الذى اخرجنا القنبلة من حنجرته، كان يجمع لنا خشب الأقفاص فى شارع باب اللوق لكى نشعل مصد دخان للغاز.. لم يعرف احد ان سامبو لم يسرق بندقية الغاز بل وجدها عندما فر الأمن المركزى من امامنا ملقيها على الأرض.. لم يعرف كيفية تشغيلها وكان يعمرها بالاحجار.. ونضحك عندما تتفتت الأحجار قبل انطلاقها.

لم يهتم يوما، كما لم اهتم وقتها، بأن نتبادل الاسماء، كان يعرفنى بسماتى الجسدية، وكنت اعرفه بصوته الزاعق، وسرعته المتناهية، كان يضحك مخبرنى ان امثالى مفيدون فقط فى الالتحام المباشر لا فى الكر والفر، إلى ان حملته بعد اصابته وركضت به، حينها اخبرنى انه يمكن ان اكون مفيدا.

«لا تصالح، ولو منحوك الذهب، اترى حينما افقأ عينيك ثم اثبت جوهرتين، اترى؟ هى اشياء لا تشترى..».

عندما يمر الدم من امامك، ومن خلفك، حين تستدر حولك فلا تجد سوى رائحته مختلطة بالغاز المسيل، حين يكون لون يديك احمر قرمزى من كثرة من اصيب حولك، فلا تصالح أو تتفاوض.

لا تسيل كما الثلج من الاعالى إلى اقرب مستنقع سلطة.. فقط لتخبرنى انه لابد من حقن الدماء، كأننا مصابون بلعنة وهب دمائنا للأرصفة والشوارع والمدرجات.

لا تحقر من شأن من ذهبوا، ولا تخبرنى انك تريد العدل، لأن لا عدل تحت ظالم.

إلى نساء الثورة ورجالها، شهدائها واحيائها، ابطالها المجهلين، وابطالهم المنسحبين من ساحات الإفساد، الثورة دائمة بدوامك، الثورة صامدة بصمودكم، الثورة رافعة رأسها برفعتكم.. فترفعوا، ولا تنكسروا أو تضعفوا، فتنكسر.

للثورة أبناء لم تعرفوهم، ولم يهتموا بأن تعرفوهم، وحينما أتت لحظتهم، مضوا بابتسامة، ورأس مرفوعة، وعين غير منكسرة ولا مستعبدة.

نينى نينى.. على ما ييجى الدكر يشترينى بقلم إسعاد يونس... بالمصرى اليوم


■ قالك فى سرية تامة تتسحب الحكومة على طراطيف صوابعها وهس هس لتتقدم بمشروع قانون للمجلس الأعلى للبث السمعى والبصرى للمجلس الموقر.. وحاقولك سر، بس بينى وبينك، مش تروح تسيّح بقى وتفضحنا.. عايزين نسنّ قانون نقصف بيه عمر الإعلام ونقطع بيه الرقاب ونهدد بالسجن والغرامة.. لو اتنفسوا.. شوف لو اتنفسوا بس.. ونقيف مجلس كده يقعدلهم عالواحدة ويقرف فى أبوهم.. ويسن القواعد والقوانين المتصنعة فى ورشة المعلم أوستيك للكاوتش المطاط، بحيث الكلمة يتم تفسيرها بألف معنى وإحنا ومزاجنا وتوجهاتنا ومصالحنا وأطماعنا وقصر نظرنا بقى..
■ وبرضه فى نفس السرية والدهلزة والمشى عالبلاط بالشراب يتم تدبيك قانون تانى بقيادة الشيخ سيد عسكر، رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب، ومش عارفة إيه علاقة اللجنة الدينية باللى جاى ده؟! بس حاجة منجهة طحن.. وده مخصوص لبتوع الفن والنيلة الإبداع، الله يحرقهم.. نفخ م اللى يعجبك بقى.. وحانقطع ونقص ونعدم وننفى برضه أى حد عايز يعمل فن.. ماحنا أصلنا دولة غنية قوى ومتميزة بالصناعات المتقدمة وعندنا ثروات ياما.. لأ عيال تعجبك يعنى.. بناكل شحاتة ونلبس سلف ونجمّع تصنيع برانى والصين ضاربانا بالصندل وداخلة فى مصارين بطننا، بتعملنا كل حاجة وناقص تتجوزلنا وتخلفلنا.. ومتنيلين غرقانين فى القروض والديون ومفضوحين قدام العالم بقياداتنا الحكيمة اللى لبستنا ف الحيط.. بناقص بقى الصناعة الوحيدة اللى بنعرف نعملها ونصدرها وكانت بتجيبلنا دخل وبتعملنا قيمة وسط العرب.. الحمدلله والشكر لله.. قضينا على كل حاجة تانية فاضل دى بس.. ياللا خليهم يغوروا يهاجروا م البلد.. قعدنا نقولهم لو قلتوا لأ غوروا م البلد.. ماغاروش وقاعدين لازقينلنا لسه.. حانبرطع إمتى بقى ياربى؟؟..
■ طب وعلى إيه السرية يا سادة؟؟؟.. خايفين من إيه؟؟.. شوفوا يا حبايبنا.. كلمة طالعة من ورا قلبى والله.. سنّوا القونين اللى انتوا عايزينها.. خدوا راحتكوا عالآلآلآلآلآلآلآلآخر.. خدوا الدور لآخره لحسن لا سمح الله تتوعكوا والا حاجة ويجيلكوا المرض البطال.. ياللا خليهم يحصلوا اخواتهم القوانين المضروبة بتاعة التأسيسية والتعليم والعزل إلخ.. لكن..
■ ربنا يخليلنا المحكمة الدستورية العليا وقضاتها الأجلاء.. آخر أمل فاضلنا.. انتوا اطبخوا القوانين واحنا نطعن.. كل ما تتزنقوا اضربولكوا قانون م الفاشلين دول واحنا نطعن.. ونينى نينى لحد ما ييجى الدكر يشترينى..
■ سؤال برىء.. هو حضراتكوا مش كنتوا بتطالبوا بتطهير الداخلية وانتحار الحكومة وبالمرة قتل الشعب بدعوى أن الجميع فلول؟؟ ماطهرتوش المجلس ليه من فلوله السابقة؟؟.. ده كل الطقم هو هواه من أيام سرور.. من أمين عام المجلس لحد المنادى.. انتوا محتاجين بمناسبة العدالة ميزان جديد.. وبقوطى..
■ ساعات أتأمل المجلس كده وأقول لنفسى.. هارسوح.. مين دول؟؟.. ماكانوش فى الميدان التمنتاشر يوم.. سبحان الله.. وشوش غير الوشوش.. ياكش كانوا مأجرينا نعملهم الثورة وأول ما خلصناها جابوا الكراسى وقعدوا على مراوحنا بتقلهم؟؟.. إلهى وانت جاهى يا محكمة يا دستورية تحكمى ببطلان المجلس.. خلينا نخلص م الكابوس ده.. ويرجعوا بتوع الميدان مكانهم اللى يستحقوه..
■ الدكتور حسام أبوالبخارى الشهير بآنتى وصاحب الدراسات النقدية المتعددة فى الكتاب المقدس.. بعد موعظتك الفظيعة التى وجهتها لنا من خلال برنامج الأستاذ يسرى فودة.. نحب نقولك زى ما اجتهدت قوى قوى فى تجميع مادة خواجاتى من ويكيبيديا تجابه بها الحكم الصادر على عادل إمام.. حاول تذاكر شوية تاريخ السينما المصرية.. عشان تعرف إنها أنتجت أفلام عظيمة كتير قوى، دخلت بيها مهرجانات دولية وحصلت على جوائز رغم تعجيز أجهزة الرقابة المتعسفة على مر العصور، التى نعتبرها الآن كانت عبقرية بعد المرار والسواد اللى حانشوفه على إيديكم بصفتكم أصحاب اليد الطولى على عقول البشر ودعاة الدين الجديد.. وإن أعظم أفلام أنتجتها السينما المصرية عانت مع الرقابة وكانت ممنوعة ولولا كفاح السينمائيين ضد قوى الظلام وقتها واللى تعتبر دلوقتى بؤر نور ما خرجت أفلام مثل السوق السودا ولاشين والبرىء وشىء من الخوف وللحب قصة أخيرة والكرنك وميرامار وهى فوضى والمهاجر والمصير، اللى مش عاجبك، وشروق وغروب وغرباء والأفوكاتو ومواطن ومخبر وحرامى، أكم أفلام.. وإن الأفلام الساذجة اللى إنت بتقول عليها دى كانت أحيانا هى الملجأ الوحيد لاستمرار الصناعة، لأن الكلمة الجادة كانت تمنع وتقهر.. وإن ماينفعش تقول كده وانتوا جيل اتربى على أفلام إسماعيل يس الطفولية الساذجة برضه وبتحبوها قوى.. وإن لدينا مخرجين يتمنى العالم العربى والأجنبى أن يقتنى نصهم.. وإن لدينا أكبر طاقة إبداعية على مستوى العالم العربى كله.. وإلا ماكناش أصبحنا الرواد على مدى قرن وداخلين عالربع اللى بعده على المنطقة بأكملها.. وإن لدينا صناعة عجزت إسرائيل بجلالة قدرها بالدعم الذى تحصل عليه من أمريكا أن تحقق واحد على ألف منها..
وكذا جميع الدول التى حولنا بما فيها سكان الجزيرة العربية الموطن الأصلى للرجعية.. ولكنها ستموت على أيديكم أيها النشامى.. كما ماتت السياحة والآثار والاقتصاد.. حاتخسّروا مصر إيه تانى؟؟؟.. ماعادش يا بابا.. بح..
■ بمناسبة محاكمة عادل إمام ووحيد حامد وشريف عرفة ونادر جلال ومحمد فاضل ولينين الرملى على أفلام عملوها من سبعميت سنة.. قالك أسرة المرحوم الفنان أحمد مظهر تعلن عدم مسؤوليتها عن النصف الأول من فيلم الشيماء..



عماد جاد بالتحرير ..... أستهداف روح مصر


د.عماد جاد
أيدت محكمة جنح الهرم الحكم بسجن الفنان عادل إمام ثلاثة أشهر بتهمة ازدراء الدين الإسلامى فى أعماله الفنية، جاء الحكم بناء على دعوى أقامها محام ضد الفنان عادل إمام، وقد قضى الحكم أيضا بتغريم الفنان ألف جنيه لوقف التنفيذ، وأعلن فريق الدفاع عن الفنان أنه سوف يستأنف الحكم، بينما تحرك الجانب الآخر لرفع دعوى ضد عدد من المبدعين الذين شاركوا الفنان عادل إمام أعماله الفنية من مؤلفين (لينين الرملى، ووحيد حامد) ومخرجين (شريف عرفة، ومحمد فاضل، ونادر جلال). ويأتى هذا الحكم ليكون عنوانا للمرحلة التى تعيشها بلادنا، فقد وصلت مصر إلى مرحلة يلاحَق فيها المبدعون من أبنائها، وتُعرَض على برلمانها مشروعات قوانين لإعفاء المتحرش من عقوبة التحرش، على اعتبار أن التحرش مسؤولية كل من تم التحرش بها، فالذكر دائما على صواب والمرأة مجرد أداة للمتعة، يُعرَض على برلمانها اقتراح بوقف تدريس اللغة الإنجليزية للأطفال. مصر الآن تعيش مرحلة انتقالية مفتوحة على احتمالات مختلفة، فقد تتجه نحو نموذج أفغانى أو صومالى، وقد تخرج سالمة من المحنة الحالية وتستيعد روحها وتسترد هويتها. الصراع الآن على أشده بين من يريد تحويل مصر إلى نموذج يتراوح ما بين الأفغانى والصومالى، وبين من يريد الاعتبار لمصر مصرية، مصر المعتدلة المتزنة التى عرفت التوحيد قبل اليهودية والمسيحية والإسلام، مصر التى يتسم شعبها بالطيبة والتدين، التسامح والتعايش، الجمع بين حضارات وثقافات، مصر البوتقة التى صهرت كل من حل على أرضها من فكر وبشر، هضمته وأضافت عليه قدرا من ذاتها، مصر التى لم تقبل يوما من الأيام أن تكون مجرد رقم بين الأمم، عندما اعتنقت المسيحية، قام المصريون بنشر العقيدة فى قلب أوروبا وأطراف قارات العالم القديم، ولم تقبل إلا أن تكون كرسيا يضارع الكرسى الرسولى فى الفاتيكان. وعندما تحول غالبية المصريين إلى الإسلام، لم تتحول مصر إلى مجرد ولاية أو دولة ضمن ولايات الخلافة، بل امتلكت الأزهر بمكانته العالمية، تسامحت مع الجميع، واحتضنت الجميع وقدمت نموذجا فى التعايش مع المذاهب والابتعاد عن الغلو والتشدد، مما يجرى حاليا من مشاهد فى أنحاء مختلفة من مصر لا يمكن التعامل معه على أنه صورة مصر الحقيقية، بل محاولات لاختطاف مصر وروحها لحساب نمط حياة لم يعش تجربة مصر، نمط حياة يتسم بالجفاف الشديد. لا بد أن ندرك أن الصراع يجرى حاليا على روح مصر، فالصراع يستهدف طمس روح مصر وتغيير هويتها.. الصراع بدأ منذ أن جاء السادات إلى رأس السلطة فى مصر، فبدأ فى تغيير هوية مصر واستهدف روحها، بدأ منذ فتح أبواب مصر أمام الخليج العربى ليجتاح مصر ويغير من معالمها، بدأ منذ جرى نزع «الموديل العارى» من كليات الفنون الجميلة والتطبيقية، بدأ منذ نجح عدد من الدعاة فى إقناع المصريين بكراهية واحتقار تاريخ بلدهم، عندما أقنعوا البسطاء من المصريين بأن التاريخ الفرعونى لا يوجد فيه ما يدعو إلى التفاخر، عندما تركناهم يقولون لبسطاء المصريين إن الفراعنة كانوا ملحدين كفرة، ولم يرد أحد، إلا القليل من الشخصيات المصرية الرائعة، وفى مقدمتها الدكتور وسيم السيسى، بأن الفراعنة عاشوا فى زمن سابق على الديانات الإبراهيمية، احتضنوا موسى، واستقبلوا المسيح، ووفروا الحماية لكثير من الفارين من المواجهات فى الجزيرة العربية.. ما نشهده اليوم من ظواهر وهويتها إنما يمثل ذروة المعركة على روح مصر وهويتها، وهى معركة فاصلة، لا مجال للتقاعس فيها أو لزوم الصمت، لذلك لا بد أن تتحرك كل القوى المدنية المصرية من أجل الدفاع عن روح مصر، عن مصر مصرية، معركة تتنظر الغالبية من المصريين حسمها لصالح الهوية المصرية، وأحسب أن استهداف الفنان عادل إمام ورفاقه إنما يمثل نقلة نوعية فى استهداف روح مصر وهويتها، لذلك لا بد أن يكون الرد على مستوى خطورة المعركة.

الثلاثاء، 24 أبريل 2012

دراما ناصر ٢٠١٢ .... لوائل قنديل بالشروق


السيناريو الذى توقعه كثيرون وحذروا منه يتحقق الآن، تسخين على حدود مصر الشرقية، وتسخين فى الداخل، ليرفع الستار عن «أبطال قوميين» يواجهون الخطر الإسرائيلى على الجبهة الشرقية، ويدافعون عن السيادة ضد المنظمات الأهلية الأمريكية فى الجبهة الداخلية.

لقد عادت حدوتة السيادة والكرامة مجددا، بقنبلة إعلامية عن إلغاء اتفاقية تصدير الغاز إلى إسرائيل، ثم حديث متزامن عن رفض الحكومة المصرية ممثلة فى وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية للسماح لثمانى منظمات أهلية أمريكية بالعمل فى مصر لأنها تهدد السيادة الوطنية.

هو تقريبا السيناريو ذاته الذى عشناه قبل شهرين حين انفجرت حكاية منظمات المجتمع المدنى وما تلاها من اندلاع حرب فايزة والجنزورى ضد الكاوبوى الأمريكى، ثم إعلان الجهاد عن طريق الشيخ حسان ضد المعونة الأمريكية وانطلاق حملة سينمائية للتبرع دفاعا عن كرامة الوطن الوطنطن، شارك فيها محترفو صياح وتجار هتاف من ذوى الحناجر الصالحة للاستعمال فى كل عصر.

إنها وصفة «ناصر ٥٦» يعاد إنتاجها مرة أخرى فى ٢٠١٢ مع فارق أساسى، وهو أن مساحة الصدق فى معركة العدوان الثلاثى كانت أكبر، وكمية الافتعال والفبركة تكاد لا تذكر، غير أن الذى جرى بعدها كان صعود نجم عبدالناصر كبطل قومى حقيقى، مقابل هبوط منسوب الديمقراطية إلى أدنى مستوياته، تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» ليتم بعدها تكريس حكم العسكر من وقتها وحتى يومنا هذا.

وتحت عنوان مواجهة إسرائيل المزعومة تأجلت الديمقراطية السياسية، والأحرى أنها دخلت غياهب النسيان، فيما تم الترويج لنوع من الديمقراطية الاجتماعية، مجانية تعليم وعدالة اجتماعية وتأميم وتوزيع أراض وخلافه، على حساب الحريات والتطور الديمقراطى السياسى، لتعيش مصر منذ ذلك التاريخ تحت حكم الفرد والصوت الواحد والحزب الأوحد.

ويبدو أن الأرشيف ينهض ويوشك أن ينفجر فى وجوهنا الآن، رغم الفروق الجوهرية بين لحظة يوليو ١٩٥٢ ولحظة يناير ٢٠١١، ففى الأولى ثارت مصر على احتلال الخارج، بينما كانت الثورة فى الثانية ضد احتلال الداخل، وفى يوليو قلب الضباط نظام الحكم الملكى ثم احتموا فى الشعب، بينما فى يناير أسقط الشعب رأس النظام بثورة بيضاء ففرض الضباط شراكتهم فيها ثم عملوا على مصادرتها من أصحابها الحقيقيين.

والآن جاءت الأسئلة الصعبة: فمن يجرؤ بعد الآن أن يهتف «يسقط حكم العسكر» فى لحظة يتم فيها النفخ فى الأخطار الخارجية التى تهدد تراب الوطن، بعد القرار الدراماتيكى بوقف تصدير الغاز للعدو الصهيونى؟

ومن يفتح فمه لو قرر السادة الذين يحموننا من طمع الأوغاد على الحدود الشرقية أن يؤجلوا استحقاقات العملية السياسية، الانتخابات الرئاسية والدستور، بحجة أن الوطن يواجه معركة مصير وسيادة وكرامة؟

إنه من العبث ألا نقرأ حدوتة الغاز ودراما المنظمات الأمريكية بمعزل عن التلويح بإحياء دستور ٧١ وإصدار إعلان دستورى مكمل يحدد صلاحيات رئيس مصر، ثم الحديث السابق عن احتمالات تأجيل انتخابات الرئاسة لحين الانتهاء من الدستور.. ولكل ذلك أزعم أننا دخلنا حزام أيام الخطر، فماذا يخبئ لنا القدر؟

الاثنين، 23 أبريل 2012

يسقط حكم العسكر .... لوائل قنديل بالشروق


لا أحد فى مصر يتطاول على القوات المسلحة، أو يهين الجيش، وليس فى الاعتراض على الإدارة السياسية للبلاد من قبل المجلس العسكرى خروج على مقتضيات الوطنية، ودخول فى منطقة إهانة جيش الشعب.

إن الهتاف «يسقط حكم العسكر» هو نوع من الاحتجاج والرفض لأداء سياسى أدخل البلاد فى متاهات ودروب مظلمة، نتيجة سوء الإدارة وسوء القصد معا، وها هى الوقائع على الأرض أن ثورة كاملة الأوصاف، بيضاء لا شية فيها، اكتسبت بعد 15 شهرا وجها شاحبا وكئيبا، لا لعيب فى هذه الثورة، وإنما لخلل فى إدارة البلاد سياسيا بعدها.

لقد كان المصريون يهتفون قبل عام «الجيش والشعب إيد واحدة» هتافا نابعا من القلب والضمير، لم يجبرهم عليه أحد، ولم يصدر به مرسوم عسكرى، دون أن يكون ذلك توكيلا على بياض لمجموعة المجلس العسكرى لكى يحكموا البلاد والعباد.. غير أن تجارب الأيام أثبتت لقطاع كبير من المواطنين أن هناك خللا فى كابينة القيادة، وأن استمرار الأوضاع على هذا النحو يقودنا من سيئ إلى أسوأ، ويهدد المعانى والأهداف النبيلة التى قامت من أجلها ثورة 25 يناير.

والذى حدث ببساطة، ويعرفه الكافة أن طليعة شعب قامت بثورة أزاحت رئيسا مستبدا، بجهدها الذاتى، بعد أن دفعت الثمن كاملا وحدها، ثم جاء المجلس العسكرى وأعلن نفسه شريكا فى هذه الثورة، وهو ما يعنى منطقيا إقراره وتسليمه بوجاهة ومشروعية أهدافها ومطالبها، وقد وافق الثوار الطيبون على هذه الشراكة أملا فى الانتقال معا إلى دولة عصرية.

غير أن الطرف الأساسى والأصيل فى هذه الشراكة وجد نفسه فى مرمى ضربات الطرف الثانى، الذى أراد الانفراد بالثورة والسير بها فى الاتجاه الذى يريد، ولما كانت هذه الوجهة مختلفة عما ثار المصريون من أجله ودفعوا فيه ثمنا باهظا من دماء الشهداء وجراح المصابين، كان لابد من وقفة، تنطلق فيها صيحات الاعتراض على الانحراف بالمسار.

وفى كل ذلك لم يستهدف أحد من المعترضين الغاضبين جيش مصر بكلمة أو تصرف، حتى حين دهست المدرعات مواطنين فى أحداث ماسبيرو، وداست بيادات أجساد فتيات وشبان فى أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، لم يقدم أحد على مهاجمة القوات المسلحة أو إهانة الجيش، بل اعتبروا أن كل ذلك مرده إلى إدارة سياسية خاطئة تضع المجتمع كله فى مواجهة حريق مخيف، خصوصا بعد مجزرة ملعب بورسعيد وما تلاها من تصريحات عسكرية تفوح منها رائحة تحريض الشعب على الشعب، فتجدد الهتاف ضد حكم العسكر وتضخمت المطالبات بالتعجيل بالعودة إلى الثكنات وتسليم البلاد إلى سلطة مدنية.

ولذلك حين يلوح المشير بأن القوات المسلحة قادرة على الضرب بيد من حديد على من وصفهم بالقلة التى تقوم بالتطاول عليها، فإننا نكون بصدد استمرار للعبة الخلط بين السياسى والعسكرى، تتطلب أن نعلن بوضوح إن مصريا واحدا لا يخاصم جيشه ولا قواته المسلحة.. وطالما ارتضى المجلس العسكرى أن يقوم مقام «رئيس مصر» فلا جريمة فى أن ينتقد أحد أداءه ويطالبه بالرحيل إلى ثكناته، وقفا للنزيف.. ولأننا نحب الجيش ونعتز به نقول «يسقط حكم العسكر».

الأحد، 22 أبريل 2012

الإخوان المهدِّدون! .... لإبراهيم عيسى ...يالتحرير



يقول لنا خيرت الشاطر إذن إنه لو فاز أى مرشح من الفلول (وهو يقصد طبعا عمرو موسى لأنه يعرف هشاشة فرصة أحمد شفيق) فهذا معناه أن الانتخابات الرئاسية مزوَّرة وأن الإخوان لن يسكتوا، وسيقومون بثورة ثانية (كأنهم أصحاب الثورة الأولى أو صناعها) تكاد تسمع هذا التنبيه التحذيرى الابتزازى من الشاطر فى حواراته الكثيرة (والمدهش أنه يتهم الإعلام بالحرب على الإخوان وهو لم يترك تليفزيونا ولا ثلاجة إلا وأدلى لها بحوار فى الأسبوع الماضى) ولا يتردد الشاطر ووراءه رَكْب من جماعته بالتلويح بثورة أو بدم فى حال عدم فوز مرشح الإخوان.
إذن.. عرفنا خلاص قاعدة الديمقراطية عند الجماعة التى تتمثل فى أن الانتخابات نزيهة وحرة لو فاز الإخوان، ومزوَّرة وملعوب فيها لو خسر الإخوان!
والمؤسف أن جماعة الإخوان دخلت حالة الانفلات العصبى والتفلت السياسى بكل قوة نتيجة صدمات ضربت غرور وغطرسة الجماعة مؤخرا وحيث اكتشفنا أن الجماعة لا تتمتع بعقل سياسى راشد، ويبدو أن سنوات العمل السرى والتحتى سحبت من هذه الجماعة أى موهبة حقيقية فى التعامل مع السياسة تحت الضوء، فكل سياستهم السابقة والراهنة قائمة على الصفقات والاتفاقات مع الأمن أو الحكم ولعبة الاستضعاف والاستعطاف التى كانت تمارسها مع القوى السياسية الأخرى، فلما انفردت بالمشهد بانت هشاشة عقول سياسييها ففقدت الجماعة كثيرا من احترام خصومها وخسرت شيئا من شعبيتها (لسنا سُذَّجًا لنتصور أنها خسرت كثيرا من شعبيتها لكنها خسرت بشكل إن لم يكن كبيرا فهو مؤثر) حتى إن الجماعة أُصيبت بالذعر من دخول عمر سليمان سباق الرئاسة، مما يؤكد أن الجماعة تعرف أن الخمسة وسبعين فى المئة التى حصل عليها التيار الإسلامى فى انتخابات البرلمان ليست نسبة حقيقية أو دائمة!
لكن لماذا تتصرف الجماعة بطريقة تجعلها تخسر أكثر بدلا من أن تستعيد ما فقدته؟
لماذا يشكو الناس من غرورها ورغبتها فى الاستحواذ ومنهجها فى الإقصاء فإذا بها تمارس غرورا أكبر واستحواذا أعرض وإقصاء أشمل؟
أهم أسباب تخلى الجماعة عن رشادتها وهدوئها بل وبرودها إلى العصبية الواضحة والعدوانية الشديدة والتوتر الغاضب هو المهندس خيرت الشاطر، وهو الذى يمثل قوة حقيقية داخل الجماعة إلى حد أنها تخوض هى حربه بدلا من أن يخوض هو حربها، منطلقا من المنافسة الشخصية الضيقة والمراهقة مع عبد المنعم أبو الفتوح إلى الإحساس بالطعنة للخروج من الترشح الرئاسى إلى فقدان الأعصاب مع الهجوم الإعلامى عليه وهو الذى لم يعتد ذلك أبدا، فضلا عن شعوره بأن الخيوط تفلت من يد الجماعة بل ويتلعبك ويتلخبط غزلها نتيجة مواقفه التى أقحم فيها الإخوان.
تأمَّل معى ما يمكن أن يفقده الإخوان خلال ثلاثة أشهر قادمة:
- مقعد الرئاسة، وهو الذى كان بعيدا ومبعَدًا عن خطتهم لكنهم أقحموا أنفسهم فيه بترشح الشاطر ثم مرسى وليس هناك جزم طبعا بأى نتيجة متوقعة لكن المؤكد أن فوز مرشح الجماعة ليس مؤكدا إطلاقا (لا أقول مرشح الإخوان لأن هناك مرشحا إخوانيا فعلا هو أبو الفتوح، ومن ثم فالأدق هو مرشح الجماعة، وهو الوصف الذى ينطبق على مرسى)، ولا يعتبر كثيرون أن فرصة مرسى كبيرة، ومن الثابت أن هناك من يضع مرسى فى ترجيحات الفوز رقم أربعة أو خمسة، عموما قد يخسر الإخوان بالفعل مقعد الرئاسة ولن يكون أحدٌ السبب فى هذه الخسارة (أو المكسب أيضا) إلا خيرت الشاطر نفسه، ومن ثَم فالحمولة صعبة عليه جدا!
- البرلمان، نعم أغلبية البرلمان قد يفقدها الإخوان قريبا إذا ما صدر حكم المحكمة الدستورية العليا بحل البرلمان، هذا طبعا لو لم تتأثر (كما هو مفروض) المحكمة بتهديدات خيرت الشاطر وبهجومه المكثف المركَّز على فاروق سلطان رئيس المحكمة الذى عمل فيها مش سامع ومش واخد باله، هذه الخسارة واردة جدا مع صدور الحكم الذى يعنى انتخابات جديدة غير معروفة الموعد، خصوصا لو كان الرئيس ساعتها ليس من الجماعة أو من إخوانها!
- لجنة الدستور، فالمؤكد أن هذه اللجنة لو كان فيه ذرة احترام لإرادة الشعب ولصيحات جماهير المليونيات فلن تتم كتابة دستور فى ظل حكم العسكر حتى لو صمم المشير بعناد مباركى قديم فلن يتمكن أحد من صياغة الدستور وإنهائه وعرضه فى استفتاء قبل انتخابات الرئاسة، ومن هنا سيكون الدستور نفسه فى يد الرئيس القادم، فلو كان من الشخصيات المدنية غير المنتمين إلى الإخوان سواء جماعةً (مرسى) أو فكرًا (أبو الفتوح) فإنه سيختار لجنة دستور على غير ما يتمناه الإخوان وذلك عبر إعلان دستورى جديد خصوصا لو كان ساعتها قد تم حل البرلمان!
صارت معركة الإخوان حياة أو موتًا… ولهذا تهدِّد كثيرا بالموت هذه الأيام!

عماد جاد /.......... المتحولون





يمثل المتحولون خطرا شديدا على نظام ما بعد الثورة، فقد كانوا جزءا من نظام مبارك، ومنهم من بنى مستقبله السياسى بصعود جمال مبارك إلى كرسى الرئاسة، دخلوا لجنة السياسات، شغلوا مواقع معه بداخلها، تولوا أمانات أو كانوا أعضاء فيها، كانوا يسبحون للوريث ليل نهار، كانوا يفاخرون بأنهم يتواصلون مع الوريث على الشبكة الدولية للمعلومات، كانوا يعتقدون أن مجرد ذكر اسم الوسيط كفيل بفتح أبواب المؤسسات لهم، وكان الحديث عن لقاء الوريث كفيلا ببث الرعب فى نفوس المسؤولين، فتُلبَّى المطالب مهما كانت غير قانونية وتستجاب الطلبات مهما انتهكت القواعد والقوانين. كانت العلاقة بالوريث هى مصدر التميز الأول لهم، كانوا يفاخرون بذلك. سقط رأس النظام وسجن الوريث وشلته القريبة، تفرق دراويش الوريث، هناك من قرر أخيرا احترام نفسه، فتوارى عن الأضواء، وهناك من أبَى وقرر مواصلة المعركة مع من أطاحوا برأس النظام وأحلامه الشخصية، وأخذت المعركة شكلين، الأول التواصل مع المجلس العسكرى وتقديم النصائح بعدم التواصل مع القوى المدنية، دفع العسكر للتنسيق أكثر وأكثر مع قوى الإسلام السياسى، هناك من قدم النصيحة للمجلس العسكرى بعد تكرار أخطاء مبارك أو خطيئته الكبرى وهى التنحى سريعا قبل أن يستخدم مزيدا من القوة فى تشتيت القوى الثورية، كانوا وراء موقعة الجمل التى أطاحت بتعاطف الناس مع مبارك وكانت المسمار الأخير فى نعش النظام، نصحوا المجلس العسكرى بكسر إرادة الثوار عبر الإغارة المتكررة على مواقع الاعتصام فى الميدان ومحمد محمود ومجلس الوزراء والعمل على إهانة الشباب الثورى عبر ضربه بشكل مبرح، استهداف عيونه، حرق خيامه والإغارة عليه فجرا والقتل التدريجى، أرادوا من وراء ذلك الانتقام من الشباب الثورى، واعتقدوا أن بإمكان هذه الطريقة أن تنجح فيعود النظام القديم تدريجيا. أما الشكل الثانى فقد تمثل فى المغالاة فى نفاق قوى الإسلام السياسى ودعوتها لمواصلة محاولات الاستفراد بالسلطة والمؤسسات، مخاطبة هذه القوى وتشجيعها على جنى ثمار انتصارها فى الانتخابات البرلمانية، كتابات ومقالات ومداخلات تليفزيونية تطالب قوى الإسلام السياسى بجنى ثمار الانتصار، بعدم التراجع أمام القوى المدنية، التراجع هنا يعنى البحث عن أرضية مشتركة أو صيغة توافقية، تشجيع قوى الإسلام السياسى على تجاوز القانون والقفز فوقه، فهناك من طالب صراحة بأن يجرى تعديل قانون الانتخابات الرئاسية كى يتم إسقاط شرط مصرية الأبوين، لأنه من غير المقبول أن يحرم الشيخ أبو إسماعيل من الترشح لرئاسة مصر. وكان الهدف الرئيسى من وراء التوجه الأخير، أى الإغراق فى نفاق قوى الإسلام السياسى إصابة عملية التحول الديمقراطى فى مقتل، دفع الإسلاميين إلى الهيمنة على المشهد بالكامل، فتتوقف عجلة الإنتاج، تتراجع السياحة، تتابع التصريحات المعادية للغرب وإسرائيل، تتصارع قوى المجتمع الحية بعضها مع بعض، تتمزق أربطة الوطن، وبذلك يكون الإنجاز الوحيد للثورة هو تمزيق الوطن، تراجع الاقتصاد، عجز وشلل سياسى، ومحصلة ذلك كله ستكون حسرة عامة على نظام مبارك وإسقاط الوريث، ومن هنا يمكن أن يتبلور توجه يقبل بعودة مكونات النظام القديم تدريجيا.. ذلك هو هدف المتحولين، وأعتقد أنه من أجل حماية الثورة المصرية وحماية الوطن لا بد من كشف هؤلاء المتحولين أمام الرأى العام، أين كانوا يقفون ويعملون فى مواقع ضمن منظومة النظام السابق؟ وما علاقتهم بالوريث؟ ماذا كانوا يكتبون؟ ما دورهم فى معاداة الثورة؟ ماذا قالوا وكتبوا فى التحريض على الثوار، ثم ماذا يقولون الآن، وماذا يكتبون؟ ولا بد من كشف ذلك سريعا أمام الرأى العام ومن ثم مواجهة محاولاتهم لدق أسفين بين القوى السياسية فى الوقت الراهن، وجهودهم لعرقلة عملية التوافق بين القوى السياسية عبر دعوة قوى الإسلام السياسى للاستئثار بالسلطة كنتيجة منطقية لفوزهم بغالبية المقاعد البرلمانية.. إنهم يمثلون خطرا شديدا على محاولات التوافق الوطنى، فوجب كشفهم وإحباط مخططاتهم.

السبت، 21 أبريل 2012

ياله من مقلب لجلال امين بالشروق


عندما يستعيد المرء فى ذهنه تطور الأحداث فى مصر منذ 12 فبراير 2011 (أى خلال الأربعة عشر شهرا التى انقضت على تنحى حسنى مبارك عن الحكم)، تصيبه الدهشة من تكرر الأحداث المؤسفة وغير المتوقعة، وكذلك تكرر قيامنا بالبحث عن أعذار وتطمين أنفسنا بالأوهام. فنقول إن ما حدث كان مجرد خطأ غير مقصود، أو نتيجة إهمال أو مجرد قلة الخبرة.. إلخ.

ينشب حريق فى كنيسة بإمبابة، ونرى الأمور تتطور على هوى المتطرفين، فيسيرون هاتفين ومنددين بالأقباط، من كنيسة إلى أخرى، ثم ينددون بتعيين محافظ قبطى، ويقطعون الطرق فى الصعيد ثم السكك الحديدية، ويستمر الحال على ذلك أياما. ثم نراهم يمنعون تحويل مركز مسيحى إلى كنيسة بالقرب من أسوان، فإذا قام الأقباط بمسيرة سلمية إلى ماسبيرو، أطلق عليهم الرصاص. فكيف حاولنا تفسير الأمر؟ رجال الأمن ممتنعون عن التدخل لأنهم غاضبون أو حاقدون على الثوار منذ أيام الثورة الأولى، أو أصاب الجزع أحد أفراد الشرطة العسكرية مما يرى فى ماسبيرو فسار بسيارته المصفحة على غير هدى فقضى على بعض الأقباط، أو أن المجرمين الحقيقيين هم «البلطجية» الذين لا هدف لهم إلا مجرد البلطجة.. إلخ.

الصحف تنشر فى البداية تقديرات مذهلة لحجم الأموال التى هربها رجال العهد السابق إلى الخارج. ثم يتوقف النشر عن هذا الأمر. فإذا تذكره الناس وتساءلوا عنه، سُرّب إلى الصحف خبر الاتصال ببعض الدول الأجنبية بغرض استرداد الأموال. حتى ينسى الناس الأمر من جديد، وتمر شهور، فإذا بدأ الناس يتساءلون مرة أخرى، صرح أحد المسئولين بأن الأمر يتطلب رفع قضية أولا، ثم لا يُذكر أى شىء عن سبب عدم رفع القضية، أملا فى أن ينسى الناس الأمر من جديد أو يفقدوا أى أمل فى استرداد الأموال.

بعد سقوط أول رئيس وزارة تم تعيينه فى ظل حسنى مبارك، أسندت رئاسة الوزارة إلى رجل ليس له تاريخ معروف فى النضال السياسى، بل كان فقط وزيرا فى حكومة من حكومات حسنى مبارك. لماذا يختار هذا الرجل لهذا المركز المهم بعد نجاح ثورة مهمة جدا؟

قيل إن الثوار هم الذين اختاروه. وصدقنا ذلك، قبل أن يعرف الجميع أن الرجل كان فى الحقيقة عضوا فى لجنة السياسات التى يرأسها ابن الرئيس والمرشح لخلافته. فهل كان هذا هو أنسب رجل لهذا الموقع فى ذلك الوقت؟

صبر الناس صبرا مدهشا على استمرار هذا الرجل رئيسا للوزراء رغم إبقائه على بعض الوزراء وثيقى الصلة بسياسة النظام الذى ثار الناس عليه، واختياره غير الموفق لبعض المعاونين الجدد. قلنا إن المسألة مجرد قلة خبرة فلماذا يختار قليل الخبرة فى هذه اللحظات الحاسمة؟

قيل إن الذى اختاروه هم أنفسهم قليلو الخبرة. فيا لسذاجتنا وطيبة قلبنا!

عندما لم يعد مفر من تغيير رئيس الوزارة بعد شهور من توليه المنصب، جاء اختيار ليس أقل غرابة، فلم تمض أيام قليلة حتى اكتشف الناس أن الرجل بعيد عن التعاطف مع الثوار، بل ولا يملك أى سلطة حقيقية أصلا، تماما مثل سلفه.

تكرر مثل هذا مع محاكمة الرئيس المخلوع وابنه، وفيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، والخارجية وتوفير الشعور بالأمن وإشاعة الثقة فى المستثمرين والسياح.. إلخ.

فى كل هذه الأمور يقال نصف كلام، وتتخذ أنصاف إجراءات، وتوكل الأمور لمن لا يملك فى الحقيقة أى سلطة لاتخاذ أى قرار.

إذا كان كل هذا الذى ذكرته صحيحا، أو قريبا من الصحة، فلا عجب أن يشعر الناس بالإحباط، إذ يبدو الأمر وكأن «مقلبا» كبيرا قد دبر لهم ووقعوا فيه، وهو شىء خطير عندما تكون الضحية أمة بأسرها، وعندما يكون «المقلب» بهذه الدرجة من القسوة، وقع فيه آلاف الضحايا من القتلى وفاقدى البصر وانطوى على كرامة أشرف البنات، والتضحية بوحدة الأمة، وإثارة البغضاء بين الناس، بعد أن كانت الثورة تبشر بنشر المحبة بينهم، وإطلاق عقال التفكير الخرافى فى وسائل الإعلام، وفى داخل مجلس الشعب نفسه.. إلخ، وكأن كل شىء أصبح مباحا للوصول إلى هذه النتيجة: وأد الثورة بأى ثمن.

●●●

 لماذا وقعنا فى هذا المقلب بهذه السهولة، وطوال هذا الوقت؟

لى فى ذلك تفسيران: الأول أنه عندما يشتد الفرح وترتفع الآمال والطموحات يميل المرء إلى أن يكون حسن الظن بالناس، وبالعكس يميل إلى إساءة الظن بهم إذا كان بائسا ويائسا. وقد كان فرحنا شديدا بنجاح ثورة 25 يناير فى إسقاط حسنى مبارك ومشروع التوريث، وارتفعت آمالنا وطموحاتنا إلى عنان السماء، فأصبحنا فريسة سهلة للخداع.

والتفسير الثانى أن المرء يميل إلى البحث عن تبريرات الأمر الواقع إذا لم يكن أمامه بديل. وقد كان هذا حال الثوار بعد سقوط حسنى مبارك واستلام المجلس العسكرى للسلطة. إذ لم يكن لدى الثوار زعيم واضح ومعروف، أو حزب يجمع عليه الناس، وقد قدم المجلس العسكرى نفسه باعتباره حامى الثورة.

فما هو البديل الذى كان متاحا للثوار لاستلام السلطة بعد سقوط رأس النظام؟

●●●

ليست هذه أول مرة تتعرض فيها مصر «لمقلب» من هذا النوع. فإذا استرجعنا الخمسين عاما الماضية وحدها، نستطيع أن نخص ثلاثة مقالب على الأقل، كانت من الجسامة بحيث إننا لازلنا نعانى من آثار كل منها حتى اليوم.

كان «المقلب» الأول هو ما دُبر لنا فى الستينيات وأدى بنا إلى هزيمة 1967. كان المتآمرون بالطبع هم الإسرائيليون والإدارة الأمريكية. ولكنى لا أستطيع أن أعفى نظام عبدالناصر من المسئولية عن فداحة الهزيمة، وعن شدة وقعها فى نفوس المصريين. أما فداحة الهزيمة، فتظهر فى السهولة التى استطاع بها الجيش الإسرائيلى شلّ القدرة العسكرية المصرية، مما كشف عن أخطاء شنيعة فى إجراءات الاستعداد لهجوم متوقع.

وأما شدة وقعها على نفوس المصريين، فترجع إلى استمرار الجهاز الإعلامى الناصرى، لعدة سنوات قبل الهجوم، (بل وحتى الساعات الأخيرة من الاعتداء الإسرائيلى) فى إيهام الناس باستعدادنا التام وقدرتنا على صد أى هجوم. لقد وقع ضحية لهذا الوهم أكبر محللينا وكتابنا السياسيين وأكثرهم وطنية، إذ لم يخطر ببالهم أن من الممكن أن يصل خداع الإعلام إلى هذا الحد. وقع أعقل المصريين فى هذا الفخ كما وقع أبسطهم، مدفوعين بنفس العاملين اللذين سبق ذكرهما: ارتفاع الآمال التى فجرت الثورة (إذ لم يتصور المصريون أن ثورة 1952 التى أطاح فيها الجيش بنظالم الملكية الفاسد، يمكن أن تنتهى بهزيمة عسكرية ساحقة)، فضلا عن عدم وجود بديل واضح للممسكين بالسلطة، إذ قضى أصحاب السلطة الجديدة بعد 1952 على أى فرصة لظهور قوة سياسة منافسة لهم.

●●●

كانت هزيمة 1967 إذن «مقلبا» كبيرا بل كارثة، ومع ذلك اقتصر الإعلام الرسمى على وصفها «بالنكسة»، ثم جاءت السبعينيات، فتوجه المصريون خلالها لخدع أخرى كثيرة حتى تبين للمصريين فى نهاية العقد بأن الوظيفة الحقيقية لم تكن أكثر من تسليم البلاد للأمريكيين.

وعقد صلح منفرد مع الإسرائيليين. ولكن جهاز الإعلام الجبار كان يصور خطوات السادات على هذا الطريق وكأنها خطوات نحو تحقيق الرخاء والاستقلال. هكذا صُوّر مثلا قيام السادات بطرد الخبراء السوفييت فى 1972 على أنه ممارسة لإرادة مصر المستقلة، وصوْر عزل القائد العظيم سعد الشاذلى من منصبه العسكرى ونفيه سفيرا فى لندن ثم البرتغال، على أنه عقاب له على تردده وفشله، وانتهى الأمر بسجنه بزعم إذاعته لأسرار حربية، وصوّر أنور السادات على أنه «بطل الحرب والسلام»، مع أنه لم يكن بطلا لا فى الحرب ولا فى السلام. ثم فوجئنا بزيارة مشئومة من الرئيس المصرى للقدس، سميت وقتها «مبادرة»، وانتهت بعقد معاهدة مشئومة أيضا بين مصر وإسرائيل فى 1979، كرّست تبعية مصر لإسرائيل وأمريكا طوال الثلاثين عاما التالية.

●●●

بعد مقتل السادات وتولى حسنى مبارك الحكم بدأ الرئيس الجديد حكمه ببضع خطوات بعثت الآمال من جديد فى أن تكون الثمانينيات بداية لعهد مختلف تتصالح فيه السلطة مع المعبرين عن الآمال الوطنية. وصدّقه بعض من أكبر المناضلين الوطنيين المصريين، أو على الأقل قرروا أن يعطوه فرصته، ولنفس الأسباب مرة أخرى:

الطموحات كبيرة والبديل بعيد المنال. ألم يفرج الرئيس الجديد عن الزعماء السياسيين الذين كان قد اعتقلهم السادات قبيل مقتله؟ ألم يُعد الصحف التى كانت مصادرة إلى الظهور؟ وألم يحشد كبار الاقتصاديين المصريين الوطنيين باختلاف مشاربهم فى مؤتمر كبير لوضع سياسة اقتصادية جديدة؟ دخل المصريون فى حلم جميل (وإن كان أقصر فى هذه المرة من المرتين السابقتين) قبل أن يكتشفوا أن عهد مبارك لم يكن إلا صورة مكررة من عهد السادات إلا فى أمرين: إن الفساد الذى بدأ فى عهد السادات زاد استفحاله، وأن الرئيس الجديد لديه مشروع لتوريث الحكم لابنه.

●●●

ثم ظهر فجر أمل جديد فى 25 يناير 2011، فارتفعت طموحاتنا وأحلامنا إلى مستويات أعلى من أى مرة سابقة، (لأن الظلام السابق على الثورة فى هذه المرة كان أشد، ومدته كانت أطول). ولكن ها هى الأحلام تبدو مهددة بالإجهاض بعد مرور أقل من سنة ونصف. لماذا إذا لا يعترينى اليأس من كثرة ما تكرر المشهد: ارتفاع الآمال ثم هبوطها، بزوغ حلم جميل يتحول بعد فترة إلى كابوس؟

عندما أسأل نفسى هذا السؤال تبادر إلى ذهنى الإجابة التالية: إن ما يبدو فى التاريخ المصرى من تكرر الصعود والهبوط لا يعنى أبدا أننا ننتهى دائما إلى نفس النقطة التى بدأنا منها. إن الصعود والهبوط فى التاريخ المصرى هما ارتفاع وانخفاض حول خط دائم الصعود. إننا لا نعود أبدا إلى نقطة الصفر، بل نبدأ دائما من نقطة أعلى وحالة أفضل، مهما بدت مخيبة للآمال.

عندما ضُربت تجربة محمد على الرائعة فى 1840، وبدا وكأن القوى المناوئة للنهضة المصرية قد حققت أهدافها، ظهر بعد ثلاثين عاما أن ما فعله محمد على فى ميادين التعليم والصناعة والزراعة كان كافيا، رغم كل ما حدث له، لتجديد النهضة فى مصر فى عهد إسماعيل. وعندما بدا وكأن الاحتلال الإنجليزى فى 1882 قد وضع حدا لطموحات إسماعيل وأحمد عرابى فى تحقيق الاستقلال لمصر، حدثت بعد 37 عاما من بداية الاحتلال، ثورة رائعة، هى ثورة 1919، أعقبتها ثورة ثقافية واقتصادية رائعة أيضا، حققها تلاميذ الشيخ محمد عبده فى الثقافة، وطلعت حرب فى الاقتصاد، فجددت شباب الفكر المصرى وشباب الصناعة المصرية.

ثم جاء عبدالناصر فبنى على ما سبق لطلعت حرب بناءه فى الصناعة ودشّن نهضة ثقافية جديدة على الأساس الذى كان قد وضعه أمثال طه حسين والحكيم والعقاد.. إلخ.

عندما بدا فى 1967 وكأن آمال المصريين فى تحقيق نهضة اقتصادية وثقافية قد تحطمت مع الطائرات، تبين بقيام ثورة 25 يناير 2011، أنه أثناء الأربعين عاما الحالكة التى تلت هزيمة 1967، كان يتخلق جيل جديد من المصريين، رجالا ونساء، يشعون بالحيوية والاستعداد للتضحية، ولم نر مثلهم طوال القرنين الماضيين. وهو جيل لا يمكن أن يسمح بأن تعود الأمور مثلما كانت عليه قبل 2011.

●●●

هناك مثل إنجليزى يقول: «إن ما لا يقتلك يقويك» أى أن أى ضربة أو خدعة (أو مقلب) إذا لم ينته بالقضاء عليك فإنه لابد أن يتركك أقوى مما كنت من قبل. وأظن أن التاريخ المصرى، بكل ما تضمنه من ضربات ومكائد، يثبت صحة هذا المثل.

الجمعة، 20 أبريل 2012

فلح وململ الانتخابات بقلم إسعاد يونس... بالمصرى اليوم


■ الثلاثة كانوا ناويين يشتغلونها.
■ الأول: اللواء عمر سليمان.. منذ أسبوعين وجهت لك هذه الرسالة «خيراً فعل السيد عمر سليمان بانسحابه من السباق الرئاسى.. ماكانتش حاتمشى علينا أبداً.. مش معقول راجل كاشف دفاتر وملفات البلد كلها من ٩٣ يبقى رئيسها فجأة.. لقد كان على علم بكل مفاسد النظام وكل سوءاته.. وبما أنه لم يستقل وقتها أو يعلن امتعاضه.. فبالتالى لا يصح أن يرأس الثوار الذين أسقطوا هذا النظام.. اعتذاره يئد فكرة أنه كان المرشح المدعوم من المجلس العسكرى».. تقوم تقرر تنزل تانى؟؟.. وبالبيريهات الحمرا؟؟.. بقى معقول الرجل الذى كان على رأس واحد من أقوى أجهزة المخابرات فى العالم بشهادة أعدائه يكون بهذا المستوى المتواضع من الذكاء؟؟.. تتحرق مرتين فى شهور يا راجل؟؟.. مرتين؟؟.. وكل مرة فيهم تضرب حريق السويس على عينه؟؟..
الحمد لله إن جهاز المخابرات لم ولن يتأثر بهذا الحريق المعنوى.. برضه رجالته أمثال محسن ممتاز لسه بخيرهم ومستعدون لفداء الوطن وحمايته من أعدائه الخارجيين.. مازلت لا أفهم جتلك منين الفكرة اللوذعية دى.. اعتمدت على فكرة إن الناس طهقت من التيار الإسلامى فقلت أدخل أقش بقى.. وقلنا وقتها إن تلبية هذه الرغبة تفكير قاصر.. فنحن لا نريد إقصاء أحد.. صحيح طلعوا عينين أهالينا لكن ليس المطلوب هو عودتهم إلى السجون.. مش حل مطلقاً.. إحنا بقى الليبراليين الكفرة الملاحدة لا نهدف إلى إعدام الناس ولا اعتقالهم.. نتمنى أن يعمل الكل لصالح الوطن.. واذا اتعوج بنعرف نعدله بس بالعقل.. مش بالسجن والنفخ والنار.
■ الثانى، خيرت الشاطر.. قالك الكاريزما شرط مهم لقيادة الناس.. الكاريزما.. القَبول يعنى.. وقالك الكاريزما عطية من الله.. لا تُشترى ولا تُقترض ولاَّ تُفتعل.. الواحد لو وقف فى المراية يقدر يعرف ربنا منّ عليه بكاريزما والاَّ حرمه منها حرمان نهائى.. وقالك رئيس الجمهورية مطلوب منه يبقى حدوة.. قصدى قدوة.. يعنى زوجة واحدة وعيلين تلاتة بالكتير.. مش أربع زوجات وعشرة أبناء وستاشر حفيد.. ويكون عنده مشروع حضارى يتعلق بالعلم والاقتصاد العالمى والتكنولوجيا.. مش نهضة سوبرماركتية قوامها الجبنة والحلاوة وأزياء المحجبات.. وقالك رئيس الجمهورية يعتبر رأس الدولة.. فإذا انحنى رأس الدولة، ليقبل يد أى حد مؤتمراً بأوامره، يبقى الدولة كلها حاتنزل بوس فى إيد الحد ده.. ويبقى طقس قومى بقى.. رئيس الوزرا يبوس.. والوزرا والمجلس يبوسوا.. والشعب كله يبوس.. وعلى المقيمين خارجها إرسال البوس عبر البريد الإلكترونى.. واللى مش حايبوس حايتعلق.. ويعتبر خرج على ولى الأمر.. وتبقى الثورة اللى جاية.. مش حانبوس.. هو يبوس.. بس ف بيتهم.
■ الثالث: حازم أبوإسماعيل.. يعنى معقولة يا عم الحاج اللى انت عامله ده؟؟.. تعرف يا عم الحاج.. إيفوريا العظمة خلتك نسيت حاجة مهمة قوى.. مادمت جمعت الحبة الحلوين اللى حواليك دول كان لازم تفكر قبل ما تدخل معركة خاسرة زى باظابورت الوالدة الله يرحمها.. لو كنت من أول ثانية اعترفت ومن قبل ما تواجه بهذه الحقيقة التى تتعارض مع المادة تمانية وعشرين اللى زيطتولها جامد قوى وكفرتونا كلنا عشانها دى.. عارفة إننا فكرناكوا بيها وعايرناكوا كتير.. لكن الحقيقة أنا واللى زيى مش مسامحين أبداً فى تكفيرنا.. مش مسامحين فى الناااااااااعااااااام بتاعتكوا دى.. مش مسامحين فى تضليل الناس باستخدام حبة الدعاة اللى هددونا بأن اللى حايقول لأ يروح يعيش فى كندا وأمريكا.. طلعنا إحنا اللى مصاروة وغيرنا هو اللى من أمريكا.. بقولك نسيت إنك لو كنت من أول ثانية قلت يا جماعة أنا مامتى إمريكانية.. لكنى أتمنى إعطائى الفرصة لخدمة بلدى بتغيير هذه المادة أو بالتغاضى عنها أو أى حاجة من دى.. كنت حصلت على مباركة الناس وسميت «الصادق الأمين» تيمناً بالرسول الغالى الصادق.. الراجل.. الراجل.. النبى بتاعنا عليه أفضل الصلاة كان راجل.. لا يكذب ولا يتجمل ولا يجعل الزيجزاج خط سيره.. ولا بيفتى فى البيبس ولا ميزانية إسرائيل ولا استيراد عشرين مليون سيارة فى السنة ولا مخزون الدهب بتاع المصريين اللى افترضت إنه رقم وطلع مُنتج مناجم الذهب على الكرة الأرضية منذ بدء الخليقة مايجيبش تلته.. المعلومات يا سيدى تحصل من الكتب مش من مجلة ميكى.
عايزة أسألك سؤال: لو كنت بقيت رئيس الجمهورية بمنطقك وسلوكك ده.. وجه واحد معارض ليك ولم شوية ناس قاللهم أنا المهدى المنتظر.. واعتصمولك قدام لجانك ومحاكمك وهددوا بالويل والثبور وعظائم الأمور.. كنت حاتسيبه؟؟.. والاَّ كنت حاتستعين بقوات جيشك وبوليسك وتنشهم كلهم؟؟.. تبيدهم عن بكرة أبيهم بصفتهم أعداء الإسلام الكفار؟؟.. أو أعداءك أنت شخصياً بصفتك شايف نفسك رمز الإسلام.. على أى حال انت تشكر.. فقد أضفت كثيراً من الفلح والململ والبهارات إلى مولد الانتخابات الرئاسية.. وتأكد أننا سنكون معك وخلفك وبنهتف بحياتك عندما تكسب قضية التعويض التى سترفعها على أمريكا وأجهزتها عقاباً لها على تزوير أوراق الوالدة.. أما الآن.. فجيم أوفر بقى.. مش فاضيين.. فيه ناس واقفة نيكست.
■ السيد فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين التى مازالت محظورة.. لقب فضيلة المرشد يضفى بهاء وجلالاً على حامله.. ويضعه فى مصاف البشر أصحاب الصفاء النفسى والهدف الدعوى الجميل.. أنا شخصياً لم أفهم حضرتك واقف ليه فى المؤتمر الصحفى لتعلن لأبناء الوطن نزول السيد خيرت الشاطر مرشحاً محتملاً لرئاسة الجمهورية جنباً إلى جنب مع السيد محمد مرسى.. لم أفهم بأى صفة.. هو مش نازل عن الحزب المعلن الحرية والعدالة؟؟.. هو حضرتك رئيس الحزب؟؟.. والاَّ مرشد الجماعة التى مازالت غير معلنة ومحظورة؟؟.. هو مش إحنا الشعب؟؟.. مش لازم نفهم مين اللى بيكلمنا وصفته إيه؟؟.. والاَّ هو فرض أمر واقع واحنا وذكاوتنا بقى؟؟.. ثم تعلن أنه حدثت متغيرات.. وبلاها «الشاطر» خدوا «مرسى».. هو أى حاجة وخلاص؟؟.. زى ما نكون احنا واقفين ميتين قوى على باب الحزب وبنهتف إدونا رئيس.. أى رئيس من عندكوا ينوبكوا ثواب.. أى حد نفك بيه زنقة رئاسة.
يا فضيلة المرشد العام.. مكانك أرقى وأرفع من كل هذا.. عد إلى حيث يفرض عليك الواجب الدعوى.. وقم بعمل الخير ونشر السلام بين جماعتك.. فإذا أردت أن تخرج إلى الشعب لتجرى معه حواراً عقلانياً.. قم بسحب مرشح الحزب السيد «مرسى»: بدل ما تحرقوا الراجل بدون مناسبة هو كمان.
■ سؤال إلى كل المرشحين.. مسموح نشوف سيدة مصر الأولى اللى جاية والاَّ حرام؟؟
■ نويت أصلى صلاة العصر فى الصالة.. يووه نويت أصلى صلاة العصر فى الأوضة وبعدين أقول بعلو حسى إنى صليت.. لا لا لا.. نويت أصلى صلاة العصر فى البلكونة.. لا الجو وحش.. نويت أصلى صلاة العصر قدام البلكونة وهى مفتوحة عشان الجيران يشوفونى.. يا دى النيلة.. نويت أصلى صلاة العصر قدام باب الشقة والطيار بيجيب الدليفيرى عشان ينزل الشارع يقولهم إنى مؤمنة فيحلوا عن سما اللى خلفونى.. يانهار أزرق.. والنبى يارب ما تخللى حد يدخل بينى وبينك.. أنا قربت أنسى اللى اتعلمته.


الأربعاء، 18 أبريل 2012

(العسكرى) يصلى الفجر فى الرابعة عصرًا ... لوائل قنديل بالشروق


تسلم المجلس العسكرى الثورة نهرا جاريا، يفيض بالعذوبة والأمل فى مصر أفضل، لكنها تحولت على يديه إلى مجموعة من المستنقعات والبرك الآسنة.

فى البداية قيل لنا إنها أخطاء ناتجة عن قلة الخبرة بالإدارة السياسية، كون الجنرالات لا يصلحون إلا للجبهات والمعارك، وأن انخراطهم فى الحياة المدنية فرض عليهم فرضا.. غير أن الأيام كشفت أن المسألة ليست إدارة، بل إرادة تجلت فى مواقف كثيرة أكدت أن «العسكرى» يصنع الفوضى، ويعقد الساحة، ويتفنن فى وضع العراقيل أمام أى تحرك إلى الأمام.

والمحصلة بعد 14 شهرا من الثورة أننا نتحرك فى المكان على طريقة «محلك سر»، حيث مارس حكام المرحلة منطق الاحتكار والاستحواذ ذاته فى إدارة شئون البلاد، وتعاملوا مع كل الدعوات المحترمة لتأسيس المرحلة الانتقالية على قواعد علمية عرفها العالم، وجربها وأتاحت له الانطلاق للأمام، باعتبارها محاولات خبيثة لهدم الدولة وزعزعة الاستقرار، وتصرفوا كأنهم ملاك الحقيقة المطلقة.

إن الوقائع تذكر جيدا أن شخصا نبيلا ومخلصا وخبيرا فى إدارة مراحل ما بعد الثورات اسمه الدكتور محمد البرادعى طرح بعد أيام قلائل من إزاحة الرئيس المخلوع أن يتشكل مجلس رئاسى انتقالى، يتولى إدارة مصر لفترة مؤقتة، ويتولى الإشراف على وضع دستور للبلاد، تجرى على أساسه العملية السياسية، وكان رد العسكرى وأعوانه الرفض التام لهذه الفكرة، دون أن يفكر فى مناقشتها ودراستها.

وبعد 14 شهرا من العك والعجز والفشل واستنفاد كل الحيل والألاعيب فى إجهاض معنى الثورة والوقوف ضد صيرورتها الطبيعية، ها هو العسكرى يعود متمحكا فى طرح البرادعى القديم، بالذهاب إلى التفكير فى تأجيل الانتخابات الرئاسية لحين وضع الدستور.

ولقد كانت فكرة البرادعى وجيهة وعبقرية فى فبراير 2011، لكن هذا لا يعنى أنها تبقى على هذا النحو فى أبريل 2012 لأن جيفا كثيرة ومخلفات وأنقاض هدم ألقيت فى البركة الآسنة، فزادتها تلوثا وانسدادا فى مصارفها، وبالتالى فالعودة إلى نقطة البداية بعد كل ذلك التيه من شأنه أن يفجر الأوضاع بشكل مخيف.

إن معنى هذا بالضبط أن العسكرى يريد أن يؤم الناس لصلاة الفجر فى الرابعة عصرا، أو أن يذهب بالناس للحج فى شوال، ومع ذلك هناك من المأمومين من لا يمانع، لأنه اتخذ قرارا مبكرا للغاية بموالاة العسكر فى كل ما يريدون ويقررون ويعكون، على الرغم من أن تجارب الأيام أثبتت أنه لا يصلح للإمامة.

ولكل هذا وغيره من المهم أن تبنى الدعوات للم الشمل واستعادة التوحد والاصطفاف على أرضية مبادئ الثورة وأهدافها الأولى، وليس على اعتبارات التقاء المصالح، على نحو براجماتى تفوح منه رائحة الفئوية.

فلتكن مليونية 20 أبريل يوما للعودة إلى المبادئ وفضيلة الرجوع إلى الحق، وليس على طريقة «المصالح تتصالح».

الثلاثاء، 17 أبريل 2012

إلغاء الانتخابات الرئاسية لإبراهيم عيسى بالتحرير


إذن فقد انتهت الانتخابات الرئاسية!
انسَ يا عزيزى.. الموضوع خلص!
لا مرشحين ولا سباق ولا طعون ولا يحزنون!
ندخل إلى نفق من الفوضى والهرتلة والعبثية والارتجال والعشوائية بقيادة حكيمة رشيدة من المشير طنطاوى ومجلسه العسكرى الذى يصمم على أن ننتقل معه من سيئ إلى أسوأ، ومن دحديرة إلى حفرة، ومن بلوى إلى مصيبة!
والعيب ليس على الجنرالات الذين أفسدوا المرحلة الانتقالية بقرارهم العجائبى الأخير بوضع الدستور قبل انتخابات الرئاسة، بل العيب كذلك على البكوات الذين جلسوا أمامهم ووافقوا على ترهات سياسية، لا يمكن أن تعنى إلا أن رؤساء الأحزاب ونواب البرلمان قد وافقوا على استمرار حكم المجلس العسكرى ومد المرحلة الانتقالية التى يجلس فيها العسكر على صدر الوطن، بينما الأفواه المفتوحة والرؤوس المهزوزة والألسنة المعقودة وافقت بمنتهى البساطة على خريطة عكّ جديدة، تزيد من ضياع مصر وتوهانها فى مرحلة من الفوضى السياسية والقانونية والأمنية والاقتصادية لا تريد أن تنتهى أبدا!
واضح فعلا أن مبارك لم يترك الحكم إلا عندما تأكد من انهيار العقل السياسى المصرى إلى مستوى متواضع ووضيع من الذكاء والفهم، فالعسكرى يفشل بنجاح ساحق فى إدارة البلاد على كل الأصعدة، وها هو يزيد الطين بلة، والذين يبصمون على طلبات العسكرى من إخوان وأحزاب ورقية كرتونية إنما يجعلون من البلد أسيرة مرة أخرى لمادتين فى الدستور، يسعى لهما العسكرى قبل أن يعود إلى ثكناته (هذا إذا عاد إلى ثكناته) وطبعا الإخوان والسلفيون يدخلون فورا فى غمار الصفقة مع الجنرالات لخدمة مصالح متبادلة على حساب حاضر البلد ومستقبله المبدد فى الهرتلة والهرجلة!
أما رؤساء الأحزاب ومنافقو الجنرالات فصَغَار فى الذهاب وفى الإياب.
دعونا أولا نذكركم جميعا بأننا بتوع «الدستور أولا» ونحن مَن بُحَّ صوتنا لإقناع ملتحى وملتحقى السياسة الجدد بأن «الدستور أولا» هو الاختيار السليم لبناء المستقبل وإعداد البلد للانتقال الديمقراطى، ولكن التيار الإسلامى بغطرسة رجاله وجهل شيوخه بالسياسة وطمع إخوانه كفَّروا كل من وقف فى صف هذه الفكرة ودفعوا جماهير مصر المغلوبة على عقلها بدعاية فجة وغير شريفة، تستند إلى أن من يقُل «نعم» فى استفتاء مارس يدخل الجنة، ومن يقُل «لا» شخص كافر يريد إلغاء الشريعة الإسلامية التى لم تكن موجودة أساسا فى الاستفتاء!
هذا التضليل الذى مارسه التيار الإسلامى هو الذى جعلنا اليوم فى حالة يُرثَى لها من الارتباك والفوضى، كما كانت رغبة هذا التيار المحمومة فى الاستحواذ على الدستور والانفراد به وبصياغته والسيطرة والتسلط الأحمق على تشكيل لجنة الدستور من أجل صياغة دستور طالبانى قندهارى وراء هذه النهاية للجنة نفسها التى خرجت سِفاحا من رحم طغيان الأغلبية، وإذا بنا اليوم أمام مشهد آخر للتأجيل والتسويف لن يستفيد منه إلا المجلس العسكرى الذى اصطنع سببا لعدم تخليه عن إدارة شؤون البلاد محتجا بأن الدستور لم تتم كتابته حتى الآن، رغم أن الجنرالات أنفسهم هم الذين زعموا أن عدم الانتهاء من الدستور لن يعطل تسليمهم السلطة، وأنهم سيرحلون ملتزمين بالموعد المزعوم فى الثلاثين من يونيو القادم، ويمكن لأى متشكك أن يراجع تصريحات ممدوح شاهين، مشرِّع العبث القانونى فى المجلس العسكرى، وهو يتغزل منذ أيام فى لجنة الإخوان لكتابة الدستور، وامتدح تمثيلها لكل الأطياف ويزعم الالتزام بتسليم السلطة حتى لو لم يكن الدستور قد اكتمل!
اليوم يغير العسكرى من موقفه ويتمسك بالبقاء فى السلطة حتى نكتب الدستور على عينه كى يضمن أن يأتى الدستور الجديد طائعا ملبيا مستجيبا لتعليمات وتحذيرات اللواء محمود نصر، عضو العسكرى، الذى أتحفنا صراحة بأن المجلس لن يترك مشروعاته التجارية وعَرَق القوات المسلحة متاحا مباحا مشاعا للدولة (بالمناسبة الدولة دى مصر!)، بما يعنى أن هؤلاء الجنرالات يريدون بالفعل موادَّ ضامنة لتفردهم بإدارة مشروعاتهم التجارية، فضلا عن حصانة ما لأنفسهم قبل أن يسلموا السلطة، وهو ما لن يتوفر لهم إذا سلموها دون أن تنتهى كتابة الدستور وتمريره، فقد يأتى رئيس «جديد» ليمنح السيد المشير تقاعدا سريعا مشفوعا بوسام الجمهورية من الطبقة الأولى (على حسب ذوق الرئيس الجديد).
وبينما مصر تنتظر رئيسها بعد ستة وثلاثين يوما إذا بالمجلس العسكرى على لسان مشيره يأمر التيارات السياسية المأمورة بأمره أن يكتبوا الدستور أولا، وهو المستحيل بعينه، فلا يمكن أن يفرغ المصريون من كتابة دستور مستقبلهم، دستور ما بعد الثورة، دستور مصر الحديثة العصرية المدنية، ولا حتى دستور مصر الباكستانية الأفغانية، فى قرابة عشرين يوما قبل الانتخابات الرئاسية، إلا إذا كنا ننوى اعتماد كتاب «سلاح التلميذ» باعتباره دستور مصر الدائم، بل إن «سلاح التلميذ» نفسه كى نجهز استفتاء للموافقة عليه فنحن نحتاج إلى وقت أطول.
إذن انتخابات الرئاسة بين التأجيل أو الإلغاء تماما.. بل هى تمضى نحو الإلغاء بكل ثقة!
لماذا؟ فضلا عن أن الفترة القصيرة لن تسمح إلا بتأجيل مستمر لانتخابات الرئاسة ولا شك، فلا يمكن أن ننتهى من الاتفاق على معايير لجنة الدستور ثم اختيار الشخصيات المئة ثم كتابة مواد الدستور بكل الخلافات والصراعات ثم عرضه على الرأى العام ثم الاستفتاء عليه بنعم أو لا فى عشرين يوما!
يبقى الحل عند العسكرى هو تأجيل الرئاسة، وبمجرد تأجيل موعدها سيتم إلغاء الرئاسة، لأن دستورا «جديدا» يعنى موادَّ «جديدة» لشروط ترشح الرئيس، فمن قال إن شرط الجنسية سوف يستمر فى الشروط الجديدة؟ ومن يتصور أن شرط العفو العامّ عن المحكوم عليهم عسكريا أو فى عصر مبارك سيكون واردا فى الدستور الجديد؟ نحن إزاء شروط رئاسة «جديدة» تعنى بطلان الانتخابات المزمعة أصلا وفتح باب الترشح من جديد، ويعيش موسى وحمدين وأبو الفتوح والعوا وشفيق وياخدوا غيرها.. ويا حسرة على عشرات الملايين من الجنيهات التى راحت وعلى الجهد والوقت والحلم والأمل والطاقة والرغى واللغو!
خلاص انسوا.. انتهت هذه الانتخابات الرئاسية!