٢٩/ ١/ ٢٠١٢ |
شهدت القاهرة يوم ٢٥ يناير مسيرات جبارة لكل القوى المدنية فى مصر، انطلقت إحدى المظاهرات من ميدان الجيزة مروراً بجامعة القاهرة، حيث اندمجت مع مظاهرة الجامعة، التى تشرفت بالمشاركة فيها حتى وصلنا إلى ميدان التحرير بعد حوالى ثلاث ساعات، وقدر عدد المتظاهرين فيها بمائة ألف متظاهر، وكانت هناك مظاهرات ضخمة أخرى من المعادى، ومن مصطفى محمود بالمهندسين، ومن حدائق القبة، ومن شبرا، تراوح عدد المتظاهرين فى كل منها بين ٥٠ و٧٠ ألف متظاهر، وقد وصلت هذه المظاهرات إلى ميدان التحرير بتنسيق رائع ونظام ممتاز، وكانت هذه المظاهرات تضم شيوخاً وشباباً ونساء من كل الأعمار، ويرتدون مختلف الأزياء، واشترك الأطفال، ومن بينهم حفيدتى ياسمين وعمرها ١٢ عاماً، وكان واضحاً للجميع أن التيار المدنى المصرى قد خرج من مرقده، وبدأ ينظم نفسه، وعندما دخلت هذه المظاهرات الميدان أصبحت هى التيار الغالب بوضوح لا يخطئه أحد، وأصبح شكل الميدان مماثلاُ لأكثر أيامه زحاماً فى فبراير العام الماضى. وقد قام الإخوان يوم ٢٤ يناير ببناء منصة كبيرة جداً، وتم إيصالها بعدد كبير من الميكروفونات المتصلة بكل أرجاء الميدان، حتى يمكنهم بالصوت العالى الغلوشة على الهتافات والميكروفونات الأخرى، وأدى ذلك إلى مشادات يوم ٢٤ بين شباب الثورة والتيارات المدنية من ناحية، والإخوان المسلمين من ناحية أخرى. لكن ما المعنى الحقيقى لنزول الملايين من المصريين أصحاب الصوت الهادر فى شوارع القاهرة، وكلها متجهة إلى التحرير فى هدوء حقيقى، ودون حادثة واحدة تؤثر على الأمن؟ المعنى الأول هو أن القوى المدنية المصرية كبيرة الحجم، لكنها غير منظمة، ولم تبذل الجهد الكافى فى الوصول إلى الشارع فى الحوارى والنجوع أثناء الانتخابات، وهو ما بدأت تعمل فيه الآن، والمعنى الثانى هو أن القوى المدنية تمثل فى البرلمان بأقل من قوتها الحقيقية فى الشارع المصرى، لأنها مشتتة وغير متحدة وليس عندها جهاز منظم، لأنها تمثل مجموعات مختلفة وتوجهات عديدة معظمها قريب جداً فى الأفكار، ويجب أن تتوحد جميعاً فى كيان واحد. والأمر الثالث أنه لا يوجد لدى كل هذه القوى المدنية شعار واحد يجمعها، ويجذب المواطن المصرى إليها، وربما تكون العدالة الاجتماعية هى أقرب الشعارات بعد إعادة صياغتها وتوضيحها للشعب لتكون قريبة لقلب وعقل الشعب المصرى بعد أن تم التأثير عليه عبر سنوات طوال بالشعارات الدينية، التى تعطيه وعوداً رائعة فى الحياة الآخرة. والأمر الرابع هو الفارق الهائل بين أى تنظيمات تبحث عن الديمقراطية، وبين الجماعات والأحزاب الشمولية، التى يكون الأمر كله فى يد قائدها أو رئيسها، ففى التنظيمات التى تبحث عن ديمقراطية حقيقية هناك مجال كبير وواسع للخلاف والمنافسة بين شخصيات قيادية، والأمر يتطلب دائماً شخصية كاريزمية تؤمن بمبادئ الديمقراطية، حتى يمكنها أن تجمع هؤلاء الأفراد المتميزين حولها. الأمر الخامس هو النظام الانتخابى، فقد حصل حزب الإخوان على حوالى عشرة ملايين صوت، وحصلت الكتلة المصرية على ما يقرب من ٢.٥ مليون صوت يعنى ٢٥% من أصوات الإخوان، لكن مقاعدها فى البرلمان لم تكن ربع مقاعد الإخوان، وإنما كانت حوالى ٨% فقط من مقاعد الإخوان، والنظم البرلمانية المحترمة العادلة تكون فيها نسبة عدد الأصوات الحاصل عليها الحزب قريبة من نسبة عدد المقاعد الحاصل عليها، وهذا يجب أن يؤخذ فى الاعتبار عند مراجعة النظام الانتخابى. الأمر السادس هو أن الكتلة المدنية التى انفجرت يوم ٢٥ يناير فى الشارع المصرى يجب أن تلقى رعاية كاملة من رجال الأعمال الذين يؤمنون بالدولة المدنية لدفعها للائتلاف والاندماج فى الأحزاب المدنية التى تدافع عن أفكارهم وهويتهم، وذلك لخلق تكتل وطنى كبير للدولة المدنية الحديثة. الأمر السابع هو أن هذه القوى التى خرجت بهذه الأعداد شديدة الضخامة يمكنها أن تنزل إلى الشارع مرة أخرى، للدفاع عن أفكارها إذا حاولت القيادات الإسلامية الاعتداء على مدنية الدولة بأى طريقة من الطرق. ومن الناحية الأخرى، تعثرت مصر بقيادة المجلس العسكرى فى صياغة دستور فى مرحلة مبكرة، وتلا ذلك الفشل الكبير إعادة جهاز الشرطة إلى عمله وتأهيله، مما أدى إلى اختلال كبير فى الأمن بدرجة لم تشهدها مصر من قبل، وأدى ذلك إلى تدهور حالة الاقتصاد، ثم تصرف المجلس العسكرى بتهور شديد فى سلسلة من الأخطاء، التى أدت إلى استشهاد مجموعات من الشباب فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، وتلا ذلك فشل إعلامى مذهل بمؤتمرات صحفية أدت إلى مضاعفة حجم الكوارث الأولى، وأخيراً استطاع المجلس أن يفقد شعبيته بين المصريين، ولم يبق إلا التفاهم المنظم مع جماعة الإخوان المسلمين، التى سوف توفر له الخروج الآمن، وتحدد لجنة برلمانية صغيرة لمراجعة ميزانية القوات المسلحة، وأنا أعتقد أن هذا الاتفاق لن يدوم طويلاً، فخلال عامين على أقصى تقدير سوف يتم إلغاء المميزات الخاصة للجيش بواسطة البرلمان، وسوف يخرج الجيش من المعادلة السياسية فى مصر ليصبح جيشاً متفرغاً لحماية الحدود والدفاع عن أرض الوطن، ولا علاقة له بنظام الحكم فى مصر، وذلك لأول مرة منذ عام ١٩٥٢. وعلى القوى المدنية أن تتكاتف حول مطالب الشعب الحقيقية، وتقف معه حتى يقف الشعب كله وراءها. قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق