
أيهما أعجب وأكثر استفزازا؟ أن يذهب القاتل لتهنئة المقتول بعيده، أم أن يقبل ولىّ المقتول أن يصافح القاتل، بل ويشعر بالفخر لأن القاتل تَفضّل عليه وزاره فى ذات المكان الذى شُيّعت منه جنازة ضحاياه؟
الأحداث المؤلمة التى مرت علينا لا تُحصَى، إلا أن مقتلة ماسبيرو هى الأكثر إيلاما بالنسبة إلىّ لما ارتبط بها من خطاب كراهية طائفى، واستحلال لدماء أبرياء قُتلوا من ظهورهم، وافتُرى عليهم بالباطل، وسُبّوا ولُعنوا واتُّهموا وهم مسجَّون فى المشرحة، بل ودخل السفهاء فى جدل حقير حول ما إذا كان المقتول غدرا وظلما وغيلة يعد شهيدا أم لأنه مسيحى، فقد كُتب عليه أن يُظلم فى الدنيا ويعذَّب فى الآخرة! ويخرج علينا مشايخ «الطُّرَح» ليحرّموا علينا البكاء على شهدائنا كأنهم احتكروا مهمة منح رتبة الشهيد لمن يرتؤون… أيام سوداء، مرار سوادها لا يفارقنى، وكان استفتاحا دمويا، إذ مذ أن اعتمد منهج سباب الشهداء ونحن نبيت ونصحو على أبرياء يُقتلون ثم يُدانون فى مؤتمرات القوات المسلحة المصرية والإعلام المصرى الملطخ دوما بالدماء.
فى احتفال عيد الميلاد المجيد، حضر لفيف من القتلة الذين زعموا أن الشهداء -أكرر: المقتولين من ظهورهم- هاجموا الجيش، ورحب بهم البابا شنودة، وقال إنهم «يحبوننا ونحبهم»، وأكد أن المسيحيين المصريين يشعرون بالفخر بحضور هذا العدد إلى الكاتدرائية، فصرخ بيتر يوسف بحرقة: «يسقط يسقط حكم العسكر»، فما كان من أمن الكنيسة إلا أن أوسعه ضربا وهدده بأن يسلمه للجيش!
آآآآآه، بقى هالله هالله ع الجد والجد هالله هالله عليه.. نحن نضع الحذاء فى أفواهنا صمتا على ممارسات قيادات الكنيسة الفلولية من قديم بسبب ما يقوم به مهاويس الحريم المسيحيات من بث لخطاب كراهية ضد الكنيسة والبابا والقيادات الكنسية، الأمر الذى يعقد لساننا بل وألسنة الكثير من المسيحيين المصريين الذين يشعرون بضرورة التكتل لمساندة رأس الكنيسة الذى يُسَبّ بأقذع الألفاظ، لا لأنه جزء من النظام السابق، ولكن بهدف الإمعان فى إهانة طائفة كاملة بمنطق: «مش ده كبيركم؟ طب ده كذا وكذا وكذا.. وعمونا بقى: النصارى عباد الصليب الخنازير الأنجاس».. وتكرار هذه الأسطوانة القبيحة صباح مساء. ونحن نعلم أن القيادات الكنسية كانت توالى مبارك فى ظل الثورة، ونعلم أنها أضاعت حق عشرات الأبرياء المقتولين منذ جريمة الكشح، ونعلم أن كثيرين منهم تعاون مع أمن الدولة، ونعلم أنهم خاطوا الأفواه التى ترغب فى أن تجأر بالحق بإبرة التهديد بالحرمان من الكنيسة، بل ونعلم أن موقف القيادات الكنسية والبابا كان متخاذلا بعد أحداث نجع حمادى، والقديسين، وأخيرا ماسبيرو، لكن ماذا نفعل؟ الله غالب.. كل ما نيجى نفتح بقّنا يطلع لنا الخازوق الأبدى الذى زرعه مبارك -حسبى الله ونعم الوكيل فيه- ألا وهو مشايخ الطرح ودلاديلهم: «أيوه.. شنودة الكذا.. الكذا».. طب تصدقوا بإيه؟ أنا أم لسان طويل مكسوفة أكرّر سبابهم على الرغم من أن ناقل السُّبَاب ليس بسبَّاب.
طيب.. نقول الحمد لله؟ أى نعم، فنحن فى مرحلة التخلص من «الخايلة الكدابة». بقول آخر، كنت شخصيا أهاب انتقاد الطرف المظلوم وإن أخطأ، وكنت أفعل ذلك مع الإخوان المسلمين فى فترة حكم مبارك، لكن ربنا كرمهم اهو وبقوا سلطة وكمان بيتقبض على اللى بيوزع منشورات ضدهم، وكنت أحجم عن انتقاد السلفيين بسبب ما كانوا يعانون منه، وأهم الحمد لله ربنا كرمهم وأخوكو بياكل صحابه، وكنت أحرص على التغاضى عن ممارسات القيادات الكنسية باعتبار أن ذلك يُعتبر خسة واستقواءً على الحائط المائل.. بس الحمد لله أهم ربنا كرمهم وأصبحوا يصافحون القتلة ويفخرون بوجودهم فى مكان شُيّعت منه جنازة الشهداء. خلاص بقى.. ما عادش حد فيكم مظلوم، بل وأصبحتم تسحقون المظلوم وتوالون الظالم، وعافانا الله من الاضطرار إلى مساندتكم والصمت على أخطائكم.. توكلنا على الله بقى…
التحرير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق