سلم أمين الشرطة محمد إبراهيم عبدالمنعم الشهير بـ«السنى» نفسه للقضاء فى يناير الماضى، بعد أن صدر عليه حكم بالإعدام أثناء هروبه، وبعد أسابيع معدودة من تسليمه نفسه أعيدت محاكمته وحكم عليه بالبراءة -يوم الأربعاء الماضى- من تهمة قتل متظاهرى الزاوية الحمراء، ومن قبل تم الحكم ببراءة جميع المتهمين من ضباط الشرطة والأمناء الذين حوكموا بتهمة قتل المتظاهرين. وقد بدأ القلق المشروع ينتاب البعض من إمكانية تبرئة المتهمين بالتحريض على قتل المتظاهرين خلال أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير، سواء انصرف الذهن إلى الرئيس المخلوع أو وزير داخليته «حبيب العادلى» ورجاله الذين يحاكمون الآن بهذه التهمة. فإذا تم تبرئة الفاعل الأصلى (الضباط والأمناء) من تهمة القتل، فما معنى أن يدان المحرض؟ وتساءل البعض: هل هذه الأحكام تمهيد لحكم مدو بتبرئة المخلوع ورجاله من هذه التهمة؟!. وتحمل هذه الخطوة رسالة واضحة للرأى العام المصرى هى أن دماء الشهداء التى أغرقت شوارع مصر أثناء الثورة ودماء من لحق بهم خلال الأحداث التى تلتها قد ذهبت هدراً، إذ لم يعرف بعد الجانى الذى قام بإهراقها بعد أن تم ترتيب الأوراق أمام المحاكم بصورة لا تدين المتهمين بل تؤكد براءتهم. وتتكامل هذه الخطوة مع مجموعة من الخطوات التى اجتهد المجلس العسكرى فى القيام بها لكى يعمّق لدى المصريين إحساساً بأن الثورة انتهت وأن الشعب عاد ثانية إلى حظيرة الطاعة. ولا خلاف على أن حالة السكوت التى تنتاب الشارع المصرى حالياً تقنع أعضاء المجلس بنجاح خطتهم فى إجهاض الثورة تماماً، وخلو الملعب لهم لاستكمال باقى أهدافهم فى حكم هذا البلد فى الظل أو فى العلن، أو حكمه فى الظل خلال مرحلة قصيرة يتم خلالها اختيار رئيس للجمهورية يكون بمثابة الخيال لهذا الظل، ثم الانقضاض على الحكم والسيطرة عليه بصورة علنية فى مرحلة أخرى. هذا لن يحدث ولن يكون، وإذا سكت عنه من يسعون فوق أرض المحروسة فلن يرضى عنه إله السموات والأرض. وعليك أن تسترجع تلك المشاهد الموجعة التى كانت تظهر فيها أمهات الشهداء والألم يعتصرهن على أبنائهن بعد صدور أحكام بالبراءة على المتهمين بقتلهم. إننى أذكر مشهداً لأم من السويس كانت تحمل صورة ابنها الشاب الشهيد أمام عدسات التليفزيون وتصرخ بصوت مذبوح: «تلك صورة ابنى ربيته وعلمته، كنت أقتطع من طعامى حتى أطعمه، ومن قوت يومى حتى أعلمه إلى أن تخرج فى العام الماضى ليقتلوه لى هذا العام! لقد قالوا لى إنهم سيدفعون ثمنه ثلاثين ألف جنيه، انظروا -وتشير المكلومة الثكلى إلى صورة ابنها- هل هذا الشاب يمكن أن أقبل فيه ثلاثين ألف جنيه؟ إن مال الدنيا لن يعوضنى عنه، لن تبرد نارى بالمال بل بالقصاص، بالقصاص وحده». هكذا صرخت الأم وهكذا تعددت صرخات الأمهات ودموع الآباء وأوجاع الأبناء والزوجات، وعلت الأصوات بالدعاء رافعة مظلمتها إلى عزيز مقتدر لا يُظلم عنده أحد. كل هذه المشاهد عاينها الكثيرون فمروا عليها مرور الكرام متناسين أن دعوة المظلوم المغلوب على أمره العاجز عن نيل حقوقه أمام قوى الظلم والطغيان تنفذ إلى الله دون حجاب، فيهتف لها المولى قائلاً: وعزتى وجلالى لأنصرنك ولو بعد حين. وأريد أن أذكر الجميع بمشهد ذلك الأب «الغزاوى» الذى وقف أمام شاشة إحدى القنوات الفضائية وهو يحمل ولده الصغير الذى ثقبت رصاصات الغدر الإسرائيلى صدره ليعرضه أمام الجميع ويهتف صوته بالدعاء على حسنى مبارك الذى أغلق المعابر أثناء العدوان على غزة عام ٢٠٠٨ وساهم مع الإسرائيليين فى محاصرة أبنائها. ولم يمر عامان على هذا المشهد حتى مزق الله مُلك المخلوع وأنزله من فوق عرشه وأذاقه من كأس المذلة والإهانة ما لم يذقه حاكم فى مصر من قبل. لذلك أثق بأن الشهيد الراقد فى قبره سوف ينتصر على ذلك المستأسد الجالس فوق عرشه، وعلى السمسار المتاجر بدمه، وعلى الساكت الراقد فوق سرير جبنه وفساده. لكن من ورثوا ملك المخلوع لم يتعلموا الدرس، ويظن بعضهم أنهم أشطر منه وأنهم أقدر على فعل ما عجز عنه فيعربدون فى مقدرات ومؤسسات هذا البلد ظانين أن بإمكانهم الإفلات بما فعلوا ويفعلون، ورسم خريطة الحياة كما يريدون بمنطق «كن فيكون». هؤلاء يعيشون فى الوهم. فالشعب يغلى كالمرجل! بسبب قتل أبنائه بلا قصاص، ومعاناته من الأزمات المعيشية التى يخلقها له المسؤولون عن البلاد، وحرمانه من الدخل المناسب، والنهب المنظم والتجريف المنهجى لأمواله وثرواته، وتسليط بلطجية النظام على الآمنين فى الشوارع والمحال، وإعلان بعض العسكريين والشرطيين لمن يلتقى بهم «إن مفيش حاجة اسمها ثورة»، وتبرئة من ثبت تورطهم فى قتل المتظاهرين، وتهريب المتهمين الأمريكيين فى قضية التمويل الأجنبى. لا تنخدع بما يحدث فوق صفحة ماء النيل، ففى الأعماق تشتعل نار الغضب، حيث يصرخ العمال والموظفون من تردى أحوالهم، ويتأوه الفلاحون وهم يرون ماشيتهم تموت بسبب الحمى القلاعية لفساد التطعيم الذى وفرته لهم الجهات البيطرية، وينتحب أهالى الشهداء بسبب تبرئة قتلة أبنائهم. والتاريخ يشهد بأن قطرات الدم هى التى تفجر شلالات الحرية. ومن المؤكد أن المسار فى مصر يتغير وأن هناك تحضيراً لمشهد ثورى جديد قد يكون أكثر شراسة من المشهد السابق. لا يغرنك تراخى الإخوان، وتراجع حماس بعض الحركات الشبابية، وتسيد المجلس العسكرى للمشهد وتحريكه للأحداث ولمؤسسات الدولة كيفما يريد وأينما يريد. لا يغرنك تقلبهم فى البلاد!. |
المشاركات الشائعة
-
يا صديقي لست أدري ما أنا ** أو تدري أنت ما أنت هنا أنت مثلي تائه في غربة** و جميع الناس أيضاً مثلنا نحن ضيفان نقضيَ فترة ** ثم نمض...
السبت، 10 مارس 2012
الشهيد الراقد سينتصر فى النهاية بقلم د.محمود خليل بالمصرى اليوم
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق