المشاركات الشائعة

الأحد، 25 ديسمبر 2011

الأداء الكارثى للمجلس العسكرى



المصرى اليوم
  بقلم   د. محمد أبوالغار    ٢٥/ ١٢/ ٢٠١١
لم أصدق ما رأيته ورآه الشعب المصرى كله من تصرفات المجلس العسكرى، التى انتابتها العصبية وسوء التقدير، وعدم القدرة على التصرف بحكمة.
أعلم جيداً ومن واقع خبرة مباشرة مع المجلس العسكرى أنهم يتمتعون بأدب جم ويحسنون الإنصات والاستماع لساعات طويلة للمجموعات الكبيرة من المدنيين، ولكنهم فى النهاية لا يجيدون اتخاذ قرار مبنى على ما وصلهم من كل قادة الفكر والسياسة والأحزاب والشباب، وكل ما كانوا يستمعون إليه يذهب سدى حتى شعر الكثيرون بأن هذه الاجتماعات أصبحت غير مجدية.
والوضع الذى أصبحنا فيه الآن هو بسبب المجلس العسكرى بدءاً من فشل المحاولات المتعددة للمجلس فى إيجاد توافق على صيغة للدستور القادم، أو قواعد اختيار اللجنة التى سوف تصوغ هذا الدستور، وكل المطبات المتتالية التى سبّبت قلقاً لدى المصريين جميعاً سببها عدم الاستجابة للنصح حتى أصبح المجلس فى مأزق، فهو بمثابة رئيس الجمهورية ولا يستطيع أن يفعل شيئاً.
الأمر الثانى هو فشل المجلس العسكرى فى إعادة بناء وزارة الداخلية لحفظ الأمن فى مصر، وهو ما أدى إلى فوضى عارمة فى البلاد، وكانت سبباً أساسياً فى انهيار اقتصاد وتدنى الدخل القومى من السياحة، حتى وصل الأمر إلى أن اتهم البعض المجلس بأن ذلك كان متعمداً، ولكنى لا أعتقد ذلك، وأعتبر أن السبب هو قلة الحيلة وعدم القدرة على ضبط الداخلية.
أما الأحداث الأخيرة فقد بدأت باختيار الجنزورى، وهو كان وزيراً ورئيساً للوزراء ما يقرب من عقدين فى عهد مبارك، ولم يلق اختياره قبولاً شعبياً، لكن فى النهاية تقبل معظمنا اختياره على مضض، وقيل إنه سوف يكون له سلطات رئيس الجمهورية، وثبت أن ذلك غير صحيح.
وكان الخطأ الأول للمجلس هو القرار بطرد مجموعة صغيرة من أهالى الشهداء معتصمة بجوار المجمع، بينما الميدان مفتوح بصورة طبيعية، وكان استخدام القوة المفرطة سبباً فى غضب شديد عند مجموعات كبيرة من الشعب المصرى ونزولهم لميدان التحرير، ثم بدأت معارك شارع محمد محمود، التى أدت إلى استشهاد عشرات من المصريين واستخدم فيها الغازات والخرطوش والرصاص الحى، وقد أدى ذلك إلى غضب أكبر فى الشارع المصرى، وعندما توقفت الشرطة والجيش عن ضرب المتظاهرين هدأت الأمور فوراً وبدأت الحياة تعود إلى صورتها شبه الطبيعية، وطالب الجميع بمحاكمات للمتسببين فى مقتل عشرات من المصريين وفقدان الكثيرين بصرهم، وهو الأمر الذى حدث فى ماسبيرو، ثم محمد محمود، ولم يستجب المجلس العسكرى، وبدأت الثقة فى المجلس العسكرى تنهار تماماً، وأصبح معظم الشعب يعتقد أنه هو سبب ما يحدث من فوضى فى مصر.
وبعد أن هدأت الأمور ولم يبق إلا حوالى مائتين من الثوار فى شارع مجلس الشعب بدأ المجلس يفكر فى طريقة لفتح الشارع، وكانت الطريقة الطبيعية هى اتخاذ قرار يكون له رد فعل إيجابى فى الشارع المصرى، مثل إلغاء محاكمات المدنيين أمام المحاكم العسكرية، والإفراج عن الثوار، الذين تمت محاكمتهم أمام المجلس، هذا القرار كان كافياً لأن تتجمع القوى الوطنية وتقوم بإقناع الشباب بفتح شارع مجلس الشعب، ويكون ذلك بداية لعقد مصالحة بين الشعب والمجلس العسكرى.
وقد تمت استشارة قوى وطنية، كنت أنا من ضمنهم، وكانت النصيحة هى البعد عن استخدام القوة، لكن لا أحد يستمع إلينا، وكانت الكارثة الأخيرة بالهجوم على الثوار ومن معهم بواسطة قوات الصاعقة والمظلات، واستخدام طرق بالية، مثل إلقاء الطوب والرخام عليهم من فوق أسطح مجلس الشعب ومجلس الوزراء.
أدى ذلك إلى تجربة مريرة واستشهاد مجموعة أخرى من الشباب وإصابة الكثيرين، واحتراق المجمع العلمى المصرى، واستمر الجيش لعدة ليال فى الهجوم على الثوار، الذين اختلط بهم بعض الباعة الجائلين وبعض أطفال الشوارع أو العاطلين.
كل هذا العك سببه أن المجلس العسكرى لا يستمع لأحد.. لو أن المجلس كان قد استمع لآراء مهمة بعمل مجلس رئاسى يضم بعض الشخصيات المدنية المحترمة منذ أول الطريق لكنا الآن فى وضع أحسن بكثير، وكنا عبرنا المرحلة الصعبة دون خسائر بشرية وبأقل الخسائر المدنية.
وأمس، استمعت إلى وزير العدل وهو يلقى بياناً يعدد فيه بعض الوقائع التى لا تعنى شيئاً على الإطلاق إلى أن تثبت أهميتها وصحتها وخطورتها، وقال أيضاً إن بعض منظمات المجتمع المدنى تلقت أموالاً من الخارج، والجميع يعلم أن هناك عدداً كبيراً من هذه المنظمات تتلقى أموالاً من الخارج بصفة رسمية وقانونية، وأعتقد أنه ليس من مقام وزير العدل فى دولة مصر أن يلقى هذا النوع من البيانات، ويجب فقط الإعلان عن حقائق واضحة عليها دلائل تكفى لإحالتها إلى المحكمة، وهذا لم يحدث وفى الوقت نفسه لم يذكر وزير العدل شيئاً عن الذين قتلوا بالرصاص، ومن المسؤول أو المتهم بذلك.
كنت أود أن يكون بيان وزير العدل عنواناً للحقيقة والعدل، وللأسف لم يكن كذلك، وأثار استفهامات وتساؤلات أكثر من الإجابات.
لا أحد فى مصر سعيد بالفوضى والتسيب الأمنى ومحاصرة أقسام الشرطة وخطف السيارات والأطفال وطلب الفدية وقطع الطرق السريعة بالعصابات المنظمة، ولا أيضاً اختلاط البلطجية والبائعين وأطفال الشوارع بالشباب الثائر.
الموقف الآن أصبح كارثياً، وعلى المجلس العسكرى أن يرتب أمره للعودة إلى ثكناته فى أقرب فرصة ممكنة، وخلال هذه الفترة ربما يكون المجلس الرئاسى فكرة جيدة يمكن العودة إليها وتنفيذها لإنقاذ ما تبقى من مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق