
نوارة نجم
نعم، يسقط الحكم الذى جعلنى أكتب الجمل وأمحوها لأعيد صياغتها لأخبر الناس بخبر استشهاد عصام عطا ومعتز أنور سليمان بطريقة لا تضطرنى إلى سماع وقراءة ردود منحطة من قبيل: أصله بلطجى، أصله متعاطى، أصله صايع، شكله كريه…. ولّا بقى ربنا ستر، ليس منهما مسيحى.
اسفخص. اسفخص على نظام يدجن الحس الإنسانى، ويروج لأفكار ومعتقدات تستحل دماء الناس على خلفية دينية أو اجتماعية أو طبقية. اسفخص على نظام يغسل أدمغة الناس حتى يحولهم إلى قتلة تقطر الدماء من أيديهم وألسنتهم وعقولهم. اسفخص على نظام يضطرنى إلى القول إن عصام عطا لم يكن بلطجيا، ولم يكن سوى متفرج على عركة فى حى المقطم، حين ألقت الشرطة العسكرية القبض على كل من كانوا بالمكان، وحكم على عصام بحكم عسكرى، فقط لأنه فقير، سروجى، وأمه امرأة بسيطة تخدم فى البيوت لتربى أبناءها من مال حلال. اسفخص على نظام يضطرنى للقول إن عصام لم يكن معه مخدرات، وإنه لا يتعاطاها، وكأن البلطجى، أو متعاطى المخدرات، أو حتى السفاح، يستحق تلك القتلة البشعة. وتحبوا تعرفوا كمان؟ عصام عطا مسلم… وليس «نصرانيا»… واسفخص كمان على القنوات التى تتاجر باسم الله اللى بتتفرجوا عليها وفهمتكو إن ربنا ظالم. واسفخص على الاستقرار بتاعكم ده كمان.. وعلى عجلة الإنتاج، وعلى الناس اللى عايزة «تهدا»، وعلى المواطنين الشرفاء… اتف لكم على إيه تانى؟ أنا محوشة كتير. الناس تموت.. الناس تموت كل يوم، وكل صامت هو قاتل، وكل «مستقر» قاتل، وكل مجذوب بالمكاسب السياسية ومقاعد البرلمان على حساب مطالب الثورة قاتل، وكل من يغمى أعين الناس ويسد آذانهم باسم الوطنية الزائفة، أو الترهيب بلقمة العيش، أو المتاجرة بالدين واسم الله، أو ادعاءات المؤامرات والماسونيات.. قاتل.. قاتل.. قاتل، قاتلهم الله جميعا.
حاول عصام أن يدخل شريحة موبايل إلى الزنزانة -شأنه فى ذلك شأن جل المساجين- فابتزه أحد المساجين وطلب منه مالا ثمنا لسكوته، رفض عصام أن يدفع له المال، فما كان من المسجون إلا أن أبلغ إدارة السجن أن عصام بحوزته مخدرات، وبما أن هذا المسجون بالتحديد لديه الحظوة لدى إدارة السجن، إذ إنه يعمل مخبرا على زملائه، فإن الإدارة أحالت عصام فورا إلى التأديب، ثم تسلمه أحد الضباط الذين لا نعلم إلا أن اسمه نور، وأدخل خراطيم المياه فى فمه ودبره على مدى يومين على التوالى. فى اليوم الأول، بعد أن انتهى من ضخه بالخراطيم، سقاه ماء مخلوطا بمسحوق الغسيل كى يتقيأ ما دخل فى جوفه من ماء، وفعل ذلك فى اليوم التالى، ثم أعاده إلى زنزانته الأصلية حيث دخل وسط زملائه وهو فى حالة إعياء شديد، وتقيأ دما، ثم أسلم الروح، رحمه الله. تم نقله إلى مستشفى قصر العينى، حيث قام الضابط بيتر سامى إبراهيم بتسليم جثمانه للمستشفى -مسيحى أهو.. اسألوه بقى عن كاميليا وعبير وسونيا وست أبوها، الحريم أهم من اللى مات- حررت الشرطة محضرا تقول فيه إن عصام مات على أثر تعاطيه المخدرات، أما أطباء قصر العينى فقد شكوا فى سبب الوفاة، وقالت إحدى الطبيبات للمحامى مالك عدلى إن عصام وصل جثة هامدة، ولم يكن هناك أى أمل فى إسعافه، وأن سبب الوفاة لا يمكن أن يكون بسبب مادة مخدرة، وإنما بسبب مادة مسممة. وقام المستشفى بإخطار النيابة، وأحاله إلى مشرحة زينهم، بعد أن حرر مركز هشام مبارك محضرا برقم 5537 ورد فيه أن سبب الوفاة تسمم بمادة غير معروفة. أما معتز سليمان، فكل جريمته أنه تخطى سيارة نجدة كان يستقلها اثنان من أفراد الشرطة، فما كان منهما إلا أن أطلقا النار عليه حتى أردياه قتيلا. طبعا.. إزاى يخطى أسياده؟ نزل فردا الشرطة -اللذان كانا يرتديان زيا مدنيا-ليحملا الشهيد بدعوى نقله إلى المستشفى على الرغم من وفاته، وأودعاه مستشفى الشيخ زايد التخصصى، ثم هربا، إلا أن السكان تمكنوا من تدوين أرقام السيارة التى كانا يستقلانها. الحمد لله، لم يمت معتز «وسط ذهول المارة» كالمعتاد، المرة دى المارة صحيوا.
نعم بقى؟ إيه ده؟ أى استقرار، وأى انتخابات، وأى عجلة إنتاج، وأى هدوء، وأى عودة للشرطة صدعنا بها الإعلام القاتل الفاسد المفسد؟ هو احنا عارفين نلاحق على المدرعات المرتبكة لما نرجع الشرطة؟ أنت.. نعم، أنت أنت، يا من تقرأ هذا المقال، سيأتى اليوم الذى تحل فيه محل عصام ومعتز إن لم تتحرك الآن… فورا. انزل.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق