المشاركات الشائعة

الاثنين، 24 أكتوبر 2011

مصريون ليسوا مصريين تماما


  بقلم   حمدى قنديل     المصرى اليوم
جئت إلى تونس، أمس الأول، لأشهد الحدث الذى يعتبرونه هنا خطوة تاريخية على طريق التحول الديمقراطى فى تونس الجديدة، الانتخابات التى جرت
لاختيار أعضاء «المجلس الوطنى التأسيسى»، الذى سيضع دستور الثورة.. هذه هى المرة الثانية التى أجىء فيها إلى هنا بعد ١٨ يناير مدفوعاً بإكبار لهذا
 الشعب الذى أشعل فتيل التغيير فى الوطن العربى، لا ينتقص منه بعض من مشاعر الغيرة أنهم يخطون هنا تجاه تحقيق أهداف الثورة خطوات أكثر جسارة وثقة مما هو عليه حالنا فى مصر.
رغم أننى تجولت أمس فى العاصمة التونسية أرقب تفاصيل ما يجرى فى هذا اليوم الفارق، فإن ما شد انتباهى هو أن الانتخابات لم يشارك فيها التونسيون
المقيمون فى تونس وحدهم، ولكن المغتربين فى الخارج ذهبوا هم الآخرون إلى صناديق الاقتراع بعد أن حققت لهم الثورة حلماً وقف دونه زين العابدين
بن على بإصرار. كانت لدى الديكتاتور الهارب دائماً شكوك فى ولاء الجاليات التونسية بالخارج له، وكان يعتقد أن التونسيين الذين يعيشون فى أوروبا بالذات قد تأثروا أكثر من اللازم بمناخ الحريات السياسية فى القارة العجوز.
الآن لا تقتصر مشاركة المغتربين على التصويت فقط، وإنما على الترشيح أيضاً، فقد خصص لهم ١٩ مقعداً فى المجلس، موزعة على ٣ دوائر للمقيمين
فى إيطاليا ودائرتين للمقيمين فى فرنسا ودائرة لألمانيا ودائرتين لباقى الدول الأوروبية، ودائرة للمقيمين فى الدول العربية، مقرها أبوظبى، بخلاف دائرة
 أخرى لباقى دول العالم.. أما نحن فى مصر فلانزال نناقش إذا كان من الحكمة أن تشارك جاليات المصريين فى الخارج بالتصويت فى الانتخابات، فى حين أن الترشح مستبعد تماماً، وكثيراً ما يتردد أن التصويت الذى يدور النقاش
 حوله يجب ألا يتعدى الانتخابات الرئاسية والاستفتاءات، إذ إن التصويت لمجلس الشعب معقد للغاية، حيث يستحيل حصر أبناء كل دائرة فى الخارج وعمل لجان لكل فرد أو مجموعة منهم.
قانون مباشرة الحقوق السياسية الجديد فى مصر أكد فى أول مادة فيه حق كل مصرى ومصرية فى ممارسة الحقوق السياسية، وهو ما يعنى حق المصريين فى الداخل والخارج، ويعنى كلا من الحق فى التصويت والحق فى الترشيح، إلا أنه لم توضع القواعد التنظيمية لممارسة هذا الحق،
 الذى لن يقر سوى بقرار سيادى، لكنه مما يبدو من مؤشرات فإن الإرادة السياسية لم تتوافر بعد لاتخاذ هذا القرار.
خطاب المسؤولين الرسمى يردد دائماً أن الصعوبات تتعلق من ناحية بالتعقيدات فى الآليات التى ستتبع (إدارة الانتخابات فى ١٣٩ دولة يعيش فيها المغتربون تكاد تكون مستحيلة)،
ومن ناحية أخرى بعدم توافر الإمكانيات (إرسال قضاة للإشراف على اللجان الانتخابية فى الخارج سيكلف مبالغ باهظة)، إلا أنك تلحظ فى كواليس السلطة، بل بين عموم الناس أيضاً،
 فتوراً فى الحماس للأمر.. هناك من يعتقد أن المغتربين، خاصة من لديه جنسية أجنبية منهم، ليس مصرياً تماماً أو ليس كالمصريين الأقحاح، الذين يعيشون
فى مصر، وهناك من يعتقد أن المال يمكن أن يشترى ضمائر المغتربين ذوى الدخول المحدودة نسبياً، كأولئك العمال الذين يقيمون فى السعودية والخليج
مثلاً، كما أن الأمر لا يخلو من شكوك حول تأثر جالية الولايات المتحدة بالذات بالسياسة الأمريكية أو صلاتها بالإدارة هناك.
والواقع أن هذه مزاعم تكشف عن نوايا مراوغة ولا ترقى إلى مرتبة الدفوع الجادة، وفى كل الأحوال فقد قتلت بحثاً على مدى سنوات فى بلدان عديدة، لكنها حسمت أو تكاد منذ زمن، وأقرت الحقوق السياسية للمغتربين فى معظم
 الدساتير، وتم تدشينها فى اتفاقيات دولية، فى مقدمتها اتفاقية الأمم المتحدة فى عام ١٩٩٩، وجرى تطبيقها فى غالبية البلدان التى لها جاليات كبيرة فى الخارج، ومنها بلدان عربية بينها لبنان والعراق (حيث جرت عدة انتخابات
تحت الاحتلال)، وكذلك المغرب التى أقرت حقوق المغتربين السياسية فى التعديل الذى أجرى على دستورها هذا العام.. مصر بين تلك الدول العربية
التى هاجر ملايين من أبنائها إلى الخارج، إلا أن الجهات الرسمية لم تستقر حتى الآن على عددهم بدقة، نتيجة لإحجام كثير من المغتربين عن إثبات
أسمائهم فى سجلات القنصليات لأسباب مختلفة، بينها الرسوم التى كانت مفروضة فى الماضى على التسجيل، وبينها كذلك ارتياب المواطنين فى الغرض الذى تجمع له السلطة أسماءهم فى ظل نظام قائم على القمع
والمعلومات الاستخباراتية.. فى كل الأحوال يكاد يكون هناك إجماع بين المصادر المختلفة على أن تعداد المغتربين يتراوح بين ثمانية واثنى عشر مليوناً، أى أن نحو ١٠٪ من المصريين مغتربون فى الخارج.
وقد حاول هؤلاء الحصول على حقوقهم السياسية منذ سنوات، إلا أن نشاطهم فى هذا الصدد تصاعد فى الشهور السابقة على الثورة،
خاصة مع رياح حركة التغيير التى اجتاحت مصر وقيام الجمعية الوطنية للتغيير ونمو فروعها فى الخارج.. ومنذ ذلك الحين رفع المصريون فى الخارج عدداً من الدعاوى للمطالبة بحقوقهم أمام مجلس الدولة، إلا أنه لم يفصل فيها حتى الآن..
وعندما قامت ثورة ٢٥ يناير التى ازداد معها إحساس المغتربين بأن أصواتهم الانتخابية أصبحت لها قيمة حقيقية بعد سنوات التزوير الطويلة تضاعفت جهودهم لتحقيق مطلبهم، وتقدموا بأكثر من عريضة للمسؤولين،
 ونظموا منذ أسابيع قليلة مظاهرات احتجاج فى الخارج أمام السفارات المصرية وفى الداخل أمام وزارة الخارجية، إلا أنهم قوبلوا بآذان صماء زادت من شعورهم بالمرارة، خاصة أن تحويلاتهم إلى مصر قفزت قفزة ملحوظة بعد
 الثورة، كما أنهم عرضوا أكثر من مشروع جاد للاستثمار فى مصر، فى حين تعاملهم بلادهم كما لو كانوا «زكائب فلوس» ليس أكثر، وتواجههم بذرائع الصعوبات فى تنظيم آليات التصويت.
يقول المغتربون إن هناك ثلاثة بدائل لحل هذه الصعوبات، أولها إجراء الانتخابات فى مقار السفارات تحت إشراف أعضاء السفارة، إلا أن الرد الرسمى هو ضرورة أن تكون اللجان الانتخابية تحت إشراف قضاة..
 البديل الثانى أن تجرى الانتخابات فى الخارج قبل موعد إجرائها فى الداخل بأسبوع أو نحوه حتى يمكن إرسال قضاة للإشراف على العملية الانتخابية، إلا أن الرد الرسمى هو أن هذه الآلية ترهق خزينة الدولة بتكاليف باهظة..
 هناك فى النهاية التصويت الإلكترونى الذى اقترح له المغتربون عدة نظم، إلا أن الرد الرسمى هو أن التصويت الإلكترونى فيه تمييز ضد الناخبين الذين لا يتعاملون مع الوسائل الإلكترونية، كما أنه يصعب أن تتوافر فيه السرية المنصوص عليها فى القانون ويمكن اختراق مواقعه..
 ومع أن هناك ترجيحاً لهذا الحل بالذات فى أوساط وزارة الخارجية إلا أن الدوائر الحكومية المختلفة وحتى اللجنة العليا للانتخابات نفسها تفضل اتخاذ موقف متحفظ فى انتظار ما يراه المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
دائرة مفرغة تزيد من إحباط المغتربين، وتثير من جديد السؤال الذى طالما تردد فى الشهور الأخيرة: هل حدث تغيير فى مصر حقاً بعد ٢٥ يناير؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق