المشاركات الشائعة

الأربعاء، 22 فبراير 2012

الفتنة ليست نائمة‏!‏ بقلم: أحمد عبد المعطي حجازي بالأهرام

 

 بقلم: أحمد عبد المعطي حجازي
سنظل في تصدينا لهذه الفتنة الطائفية التي تعصف بنا منذ أربعين عاما نقع فيها‏,‏ فإن أطفأنا حريقا من حرائقها اليوم اصطلينا بمثله غدا‏,‏ وقد نواجه ما هو أسوأ بكثير, طالما هونا من شأن هذه الفتنة الملعونة وأنكرنا خطورتها وعالجناها بهذه الوصفات التي قد تؤجل وقوع الكارثة, أو تخفف قليلا من أعراض المرض, لكنها تتجاهل أسبابه أو تتستر عليها بالأحري وتمكنها من أن تنتشر وتتغلغل وتتوطن, وإلا فما الذي يبقي للمتاجرين بالدين اذا انطفأت نار الفتنة الدينية?
وما الذي يعنيه تهجير أسر مصرية من قري مصرية ونهب ممتلكاتها وإشعال النار في منازلها لا لسبب إلا أن أحدهم ذكر أن شابا مسيحيا صور فتاة مسلمة بهاتفه المحمول فقامت الدنيا ولم تقعد!
ولاشك أن ما قام به الشاب المسيحي لو صح ـ عمل طائش, لكنه طيش يقع فيه الكثيرون, فمن حقنا أن نؤاخذهم ونردهم الي الصواب, أما أن يحدث ما حدث فهذا سلوك بربري لا يطفئ النار وانما يزيدها اشتعالا.
فإذا صح مع ذلك أن الدولة ممثلة في المحافظ شاركت في هذا المجلس, الذي قضي بتهجير المواطنين المسيحيين أدركنا حجم الكارثة التي أصبحنا معرضين لها, دولة تأتمر بأمر المتطرفين, ولا تكتفي بالتمييز بين المسلمين والمسيحيين, وانما تفصل بين الفريقين, كما يفصل الإسرائيليون بينهم وبين الفلسطينيين بالجدار العازل!
نعم, نحن مهددون بكارثة حقيقية اذا واصلنا سيرنا في هذا الطريق المعوج الذي نتجاهل فيه الأسباب الحقيقية لهذه الفتنة الطائفية, ونكتفي بالفصل بين الطرفين المتنازعين, ونحكم علي الفعل بديانة صاحبه ونلزم الأقلية بدفع الثمن ـ أقول إننا مهددون بكارثة حقيقية اذا واصلنا السير في هذا الطريق الذي يشق المجتمع شقين, ويجعل الأمة الواحدة أمتين, ويحرض مصر كلها علي أن تحذو حذو العامرية, وهذا هو ما حدث بالفعل, فالذي وقع في قرية شربات بالعامرية قبل أسبوعين تكرر في ميت بشار بالشرقية منذ أيام, والذي وقع في القريتين أخيرا استمرار لما وقع طوال الأعوام الأربعين الماضية, وسوف يتواصل, فالأسباب الحقيقية للفتنة قائمة لا نائمة, وهي تفعل فعلها ولا تجد من يتصدي لها, بل تجد الآن جماعات تشجعها وتتبناها, في مناخ يعمل كل ما فيه علي إثارة السخط, وتزييف الوعي, والخروج علي القانون, وإيقاظ الفتنة, والتمييز بين المسلمين والمسيحيين, وفرض هذا التمييز وجعله ثقافة سائدة وقانونا معمولا به في أيامنا هذه كما كان معمولا به في العصور التي سبقت نهضة مصر وقيام الدولة الوطنية الحديثة.
في تلك العصور السابقة, كانت الشريعة الإسلامية, هي القانون الذي تطبقه الدول الإسلامية المتعاقبة في تعاملها مع المصريين. ولاشك في أن الشريعة الإسلامية كانت متسامحة مع المسيحيين واليهود الذين كان من حقهم أن يظلوا علي عقائدهم, لكن بشروط تميز بينهم وبين المسلمين في الحقوق والواجبات, فالمسلمون ـ من الوجهة النظرية ـ هم أصحاب الدولة, أما المسيحيون واليهود فهم ذميون لهم الحق في الحياة والاقامة والعمل, لكن دون أن يشاركوا في السلطة أو يعتبروا مواطنين مساوين لغيرهم وهذا ما طبق أيضا علي المصريين المسلمين, لأنهم أقباط أسلموا بعد الفتح, فالمصريون جميعا أقباط, ولأن الحكم لم يكن لأهل البلاد, وانما كان للغزاة الأجانب والجنود المرتزقة, والفرق الوحيد بين المصريين المسلمين واخوتهم المسيحيين, أن هؤلاء كانوا يدفعون الجزية, أما المسلمون فلا يدفعونها, وإن ظلوا فلاحين رقيق أرض يزرعونها ولا يتمتعون بثمرتها.
هكذا اختلف وضع المسيحيين في الدول الإسلامية, عن وضع المسلمين, فالمسلمون في نظر الدولة هم رعاياها. الأصليون, أما المسيحيون واليهود فهم ملحقون بالرعايا الأصليين يعيشون في ذمتهم أي في حمايتهم, وهو وضع موروث عما كان سائدا في البادية العربية من علاقات بين القبائل القوية التي تربط بين أبنائها رابطة الدم وبين العشائر الضعيفة التي كانت تدخل في حماية القبائل القوية لعدم وجود دولة تتكفل بحماية رعاياها, الذين تربط بينهم رابطة الدم لهم المقام الأعلي لأنهم أصلاء, والداخلون في حمايتهم موال أو دخلاء.
ولقد فرض العرب الفاتحون نظامهم البدوي علي المصريين, وظل هذا النظام معمولا به في مصر, وظلت الدولة تفرق بين المصريين وتتعامل مع المسيحيين باعتبارهم ذميين حتي انتصف القرن التاسع عشر وتولي السلطة سعيد باشا الذي رد للمسيحيين حقوقهم فأسقط الجزية عنهم سنة 1855 وسمح لهم بدخول الجيش الذي كان المسلمون قد سبقوهم إليه, والفضل لمحمد علي الذي جعله جيشا وطنيا يعتمد علي المصريين بعد أن كان مقصورا علي الأجانب والمرتزقة.
وبعد أن التأم شمل المصريين المسلمين والمسيحيين في جيشهم الوطني التأم شملهم في أول برلمان مصري أنشأه الخديوي إسماعيل سنة 1866 واستطاع المسيحيون أن يفوزوا بعدد من مقاعده ويمثلوا مع زملائهم المسلمين الأمة المصرية التي استعادت وعيها بنفسها, وهبت مع أحمد عرابي تطالب بحريتها وتؤكد وحدتها كما عبر عنها الشيخ محمد عبده, في برنامج الحزب الوطني الذي صاغه هذا الإمام الثائر وجاء في مادته الخامسة, ان الحزب الوطني حزب سياسي وليس حزبا دينيا فإنه مؤلف من رجال مختلفي العقيدة والمذهب, وجميع النصاري واليهود وكل من يحرث أرض مصر ويتكلم لغتها منضم إليه, لأنه لا ينظر لاختلاف المعتقدات.
ثم تواجه مصر الاحتلال البريطاني وتشتعل ثورة 1919 التي يتحد فيها المسلمون والمسيحيون, ويرفعون شعارهم الخالد الدين لله, والوطن للجميع لكن الكارثة تقع حين, يستولي الضباط علي السلطة عام 1952, ويسلبون مصر كل ما حققته في نهضتها الحديثة!
لقد حلوا الأحزاب, وأوقفوا العمل بالدستور, وحولوا الصحف والاذاعات الي أبواق تسبح بحمدهم, وزيفوا الانتخابات التي لم يستطع مسيحي واحد أن يفوز فيها طوال العقود الستة الماضية, بينما كان في استطاعة المسيحيين في البرلمانات السابقة علي حركة الضباط أن يفوزوا بعشرات المقاعد.
ثم تتوالي الهزائم علي أيدي العسكر الذين تخلوا عن واجبهم في الدفاع عن أرض الوطن واستولوا علي مقاعد السلطة, وعندئذ يتضح للمصريين أن ما حسبوه ثورة كان انقلابا, ويصابون بخيبة الأمل, ويضعف شعورهم بالانتماء الوطني, ويصبح همهم البحث عن لقمة العيش في بلاد النفط, واذا كانت منابر الرأي قد اختفت, وساحات العمل الوطني والنشاط الديمقراطي قد أغلقت في وجوه المصريين, فلم يبق لهم إلا المساجد والكنائس, وهنا ظهرت جماعات الاسلام السياسي التي عاد زعماؤها من مهاجرهم الصحراوية ليتحالفوا مع السادات, ويقودوا المصريين الي حيث هم الآن, ويحولوهم من جديد الي مسلمين وذميين, والي قبائل وفلاحين!
من الفنان عادل إمام
اتصل بي الفنان عادل إمام ليؤكد لي وللقراء أنه لم يدافع عن الرئيس المخلوع كما أشاع بعض المتطرفين بقصد التحريض عليه, ولم يعبر عن أي موقف سلبي من الثورة التي تنبأ بها في أفلامه ومسرحياته. وأنا أصدق عادل إمام وأشهد له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق