المصرى اليوم
بقلم د.سحر الموجى ٢١/ ٨/ ٢٠١١
بقلم د.سحر الموجى ٢١/ ٨/ ٢٠١١
ليلة
الجمعة ١٢ أغسطس ٢٠١١. كان جنود الجيش والأمن المركزى ملتفين حول الكعكة
الحجرية، يحمون بأجسادهم أرض الميدان الطاهرة من احتلال المصريين الغاشم.
وكانت السيارات المختنقة من زحمة الميدان تطحن المتظاهرين الذين أبوا أن
يتركوا ميدان ثورتهم لاحتلال الجنود وغياب النخبة. من فوق المنصة جاء صوت محمد منير «ليه تسكتى للزمن.. اتكلمى. ليه تدفعى وحدك التمن.. اتكلمى». جذبنى وجهه من قلب الجمع. وجه أسمر منحوت كأنه «تحوت»، حكيم الحكماء، بريشة فى يده يجلس متربعا. ذقنه البيضاء المشعثة تشكل مع بياض شعر رأسه هالة سحرية يتوسطها عينان واسعتان تطفو فوق سطحهما غلالة خفيفة من دموع. فقد مجدى اسكندر ابنه «مينا» فى ليلة ٢٨ يناير الحزينة. كان عم مجدى فى ميدان التحرير يحمى المتحف المصرى من بلطجية العصابة الحاكمة حين اقترب منه ابنه جرجس فى الواحدة صباحا ليخبره (كاذبا) أن مينا قد تعرض لإصابة طفيفة. سيعرف أبومينا بعدها بساعة ما حدث. ففى الثانية عشرة مساء ٢٨ يناير، بينما كان مينا يغلق محل الخراطة متجها إلى البيت ليطمئن على زوجته الحامل فى الشهر الثانى، كان مساجين قسم الشرابية قد هربوا، أوفُتحت لهم الزنازين، وبدأ الحريق وتبادل إطلاق النار. رشقت إحدى الرصاصات نفسها فى صدر مينا فى الجانب الأيسر. سقط أمام «عم ظريف»، صانع العراوى العجوز، الذى انتفض حاملا مينا إلى مستشفى «السيد جلال» فى باب الشعرية. كان المستشفى يغص بأعداد هائلة من جثث الشهداء الذين جاؤوا من الضاهر والسكاكينى والوايلى وباب الشعرية فلم يتمكن من إسعاف مينا. مع وصوله مستشفى «شبرا العام»، كان مينا قد ودع الحياة قبل أن ترى عيناه رايات الثورة تنتصر، قبل أن يهتف «ارفع راسك فوق..»، وقبل أن ينظر إلى وجه وليده. لم يكن مينا هوالضحية الوحيدة لموقعة قسم الشرابية، فهناك ثمانية آخرون منهم مارى عدلى ذات التسعة عشر عاما، التى تلقت فى جسدها الغض رصاصة وهى واقفة فى شرفة منزلها بجانب أمها فوقعت من الشرفة أمام بقالة أبيها جثة هامدة. يحكى عم مجدى، أبوالشهيد مينا، أن دم هؤلاء قد تفرق بين القبائل، فصحيح أن مقذوف ٩ ملم قد جاء من طبنجة ميرى روسية الصنع، إلا أن هناك احتمالا بأن السلاح كان فى يد مسجون هارب لا شرطى. برأت المحكمة المتهمين من قوات الأمن، فما حدث ليس إلا قتل خطأ أثناء تأدية مهام الوظيفة الرسمية. وحتى لقب «شهيد» لم يتحصل عليه مينا والثمانية الآخرون لأنهم ليسوا متظاهرين. أما عم مجدى فقد جعل من التحرير بيتا إلى أن يحصل كل شهيد على حقه كاملا. هاتفت عم مجدى صباح الأربعاء الماضى للتأكد من بعض التفاصيل قبل كتابة المقال، فأخبرنى وصوته يلهج بالفرحة أن «مينا الصغير شرَّف». لقد جاء إلى الحياة مينا مينا مجدى اسكندر فى السابعة من صباح ١٧ أغسطس، وسيعقد له جده سبوعا فى الميدان الجمعة ٢٦ أغسطس. قال لى عم مجدى مبتسما «الدعوة عامة». وعادت إلىّ صورة عم مجدى بعد أن حكا لى حكاية مينا فى الجمعة ١٢ أغسطس وقد تحرك نحوالذكر الصوفى فوق منصة التحرير. كان يغنى وهويرفع أكبر علم فى الميدان. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق