هارولد لاسكى فى كتابه: الحرية فى الدولة الحديثة يقول: السياسة هى فن الإنتاج، لأن السياسة وجدت من أجل الاقتصاد، ولم يوجد الاقتصاد من أجل السياسة، ويكون الحاكم ناجحاً بمقياس كلمة واحدة، ألا وهى: الرخاء!
كما يقول: ما لم يهدد الحاكم شبح هزيمة انتخابية قادمة يتحول من خادم للشعب إلى ديكتاتور على هذا الشعب، كما يقول: الديمقراطية ليست فقط حرية التعبير، بل أيضا «القدرة على التغيير من أصغر صغير، لأكبر كبير!».
فإذا نظرنا إلى هذه المقاييس الثلاثة:
١- الرخاء ٢- شبح هزيمة انتخابية مقبلة. ٣- القدرة على التغيير بالسلم، نجد أن النتيجة.. هى الفشل الذريع، فلا رخاء، ولا انتخابات نزيهة متوقعة، ولا قدرة على تغيير أصغر صغير، فما بالنا بأكبر كبير.
السياسة فى حاجة إلى ذكاء سياسى لإرضاء غالبية الشعب، هو ذا شارل ديجول ترك الحكم لأنه لم يحصل على سبعين بالمائة من الشعب الفرنسى.. راضين عن نظام حكمه!
هو ذا أبراهام لينكولن يزور عدوه السياسى اللدود فى بيته، ثم يقول لينكولن لزوجته: اليوم انتصرت على عدوى حين حولته إلى صديق فقتلت العدو الساكن فيه!
هو ذا معن بن زائدة يضع يده على إمارة اليمن دون إذن من أمير المؤمنين، فيرسل له الخليفة مهددا بأن يغادر اليمن فوراً «وإلا قسما بالله العظيم سوف يسفك دمك ويطأ تراب اليمن بأقدامه (أى الحرب)»!
هنا الذكاء السياسى يتجلى.. يرسل معن لأمير المؤمنين وعاءين.. أحدهما به من تراب اليمن، والآخر به كمية من دم معن بن زائدة، ومعهما رسالة تقول:
مولاى أمير المؤمنين.. هذا هو دمى إن شئت اسفكه، وهذا هو تراب اليمن.. إن شئت فطأه «دس عليه» تحليلاً لك من قسمك، واترك لى إمارة اليمن، وأعدك بألا أعمل شيئاً بعد ذلك إلا بأمرك ومشورتك يا مولاى!
وأخذ معن اليمن دون التضحية بقطرة دم واحدة! هذا هو الذكاء السياسى الذى نفتقده!
الذين يقرأون لا ينهزمون، لأن القراءة معرفة، والمعرفة قوة، وحكامنا اليوم لا يقرأون، ولو قرأوا التاريخ، والتاريخ هو وعاء للتجارب الإنسانية، لعرفوا ما قاله أمير الشعراء:
إذا ملكت النفوس فابغ رضاها
فلها ثورة وفيها مضاء
يسكن الوحش للوثوب من الأسر «السجن»
فكيف الخلائق العقلاء؟!
لو أن حكامنا قرأوا التاريخ لعرفوا أن شعب مصر هو شعب الثورات، وليس شعبا خانعاً كما يدعى الجهلاء! كانت الثورات ضد الفرس، ثم البطالمة، ثم الرومان، ثم ضد العرب سبع ثورات، ثم ضد صلاح الدين الأيوبى، ثم ثورة عرابى، ثم ثورة ١٩، ثم ثورة ناصر، ثم ثورة ٢٥ يناير ثورة اللوتس، وزهرة اللوتس تنمو فى الماء والطين لكنها تنظف نفسها بنفسها من القاذورات، حتى إن القرن الحالى أصبح اسمه «قرن زهرة اللوتس» بسبب الثورة الصناعية فى كل مجالات الحياة، ابحثوا فى الـNET تحت اسم LOTUS EFFECT.
إنه التمكين والاستعلاء، وقبل السقوط الكبرياء PRIDE COMES BEFORE A FALL. الناس يكون لها عدو أو اثنان أو مائة أو ألف، أما أن يكون لها أعداء بالملايين! قطاعات بأكملها! القضاء.. الشرطة.. الجيش.. المثقفون.. الفنانون، الكتاب، الإعلام..!! صحيح ما يقال: لكل داء دواء يستطب به «أى يعالج به» إلا الحماقة أعيت «أى أتعبت» من يداويها!
فى أيامنا القادمة ما أشد حاجتنا لإنكار الذات، والتخلى عن النظرة القاصرة الغبية، وليكن شعارنا: ليس هناك أنا أو أنت بل نحن الشعب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق