كنت صبياً صغيراً فى مدرسة الملك الكامل الثانوية بالمنصورة، كنا نعيش فى سلام.. وفجأة فى إحدى المظاهرات انقسم الفصل.. قام أحد الصبية الزملاء.. يهتف ومعه مجموعة صغيرة: الله أكبر ولله الحمد! قام صبى آخر ومعه مجموعة «وفدى» يهتف ويقول: لا فاشية ولا إخوان.. ولا تفرقة فى الأديان! تماسك الإخوة بالأيدى وهرب معظمنا من هذا «الجحيم» الذى عشنا فيه، وكان هذا أول شرخ فى جدار هذا البلد الجميل رأيته فى حياتى!
جاء «عبدالناصر».. قامت القضايا بين أصحاب الأرض والمستأجرين، بين أصحاب العمارات والسكان، بين صاحب العمل والعمال، تمزق النسيج الاجتماعى لمصر، وزادت الشروخ فى البناء الاجتماعى المصرى.
جاء «السادات»، فتمزق النسيج أكثر وأكثر، أطلق سراح الإخوان ضد اليسار والوفد، وسائر الاتجاهات الليبرالية، كما أطلق السداح مداح الاقتصادى، فازداد الأغنياء غنى، وازداد الفقراء فقراً.
كان من جراء الكوارث العسكرية لـ«عبدالناصر» أن عرف المصريون الهجرة لأول مرة فى حياتهم، فاتجهوا لدول الخليج، كما اتجهوا للغرب مثل أمريكا وكندا وأستراليا، وعاد إلينا من كانوا فى الخليج الباسبورت مصرى، والهوية خليجية صحراوية، فازداد النسيج الاجتماعى تمزقاً.
جاء «مبارك» قضى على التعليم، نهب ثروات مصر، أدخل مصر فى سبات «نوم» عميق.. أصبحت كالموتى فى حياتهم، وآخرون ببطن الأرض أحياء!
أحست إنجلترا منذ ثورة ١٩ «سعد زغلول» بقوة مصر بالرغم من انتصارها فى الحرب العالمية الأولى، فعمدت إلى طريقتها اللاأخلاقية الشريرة «Devide to rule»، فرق حتى تحكم، أو فرق تسد! فكانت جماعة الإخوان المسلمين ١٩٢٨، والشيخ حسن البنا الذى قبض منها ٥٠٠ إسترلينى، وحين سألت الأستاذ جمال البنا: كيف يقبل أخوك الشيخ حسن هذا المبلغ؟ قال لى: والله إحنا سألناه، فقال: أموالنا وعادت إلينا! ومرت الأيام، نجحت إنجلترا مع الهند، فأصبحت الهند وباكستان، ومازالت محاولات الضرب الشرير فى تقسيم هذا البلد الجميل إلى دويلات متناحرة دينيا وطائفياً.. وعمار يا إسرائيل.. ويا بختك بغفلة من حولك من دول وأفراد!
آخر أمل لمصر.. هو وحدة شعبها، ووقوف مؤسسات الدولة بجانبها «القضاء - الجيش - الشرطة». لقد مللت من تذكيركم بـ«بن جوريون»، و«أودينون» كصوت صارخ فى البرية لجماعة لا تسمع، والعجيب أنها تصرخ وتصفق وهى تساق إلى الذبح!
خلاصة الخلاصة تحالف على مصر: الصهيونية العالمية، إنجلترا أولاً، أمريكا ثانياً، إسرائيل، دول خليجية معروفة، أعداء مصر بالداخل المعروفون، فقر الشعب الغلبان المسكين، جهل الغالبية العظمى فيه، أنانية الرموز السياسية ونجوم التليفزيون وشعارهم: يا أنا يا انت! بدلاً من الـ«نحن القومى».. ومصر تغرق وبسرعة!
عدنا إلى ما قبل عصر محمد على.. حين كانت المواطنة بالعرق «تركى أم فلاح خرسيس»، بالدين «مسلم أم كافر»، القرب من الحاكم «بالدم أو العمل»، بالثروة «غنى أم فقير» هذا ما نحن فيه الآن بدلاً من مفهوم المواطنة فى الدولة الحديثة، ألا وهى: حادثة الميلاد، ومن أين يأتيهم هذا الفهم الحديث وهم شعارهم: طظ فى مصر واللى فى مصر، لكنى أقول لمصر:
انهضى يا جنة الدنيا وسودى .. وأعيدى مجدك الماضى أعيدى
بأس أحرارك من بأس الحديد.. فاثبتى كالطود فى يوم الصراع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق