المشاركات الشائعة

الجمعة، 22 يونيو 2012

هدهدة بقلم إسعاد يونس بالمصرى اليوم


استدارت الجدة لتنظر خلفها فى فرحة خفيفة.. وبدأت تغلق زجاج الشباك وتعيد إسدال الستائر.. أخفت فى جيب روبها المناديل التى كانت تكفكف بها دموعها وهى تراقب الشارع فى صمت.. توجهت إلى طفل رضيع بدا كأنه استيقظ توا من إغفاءة طويلة وبدأ يناغى بصوت مرح مناديا «آنا» لكى تنتبه إليه ويحرك ساقيه فى نشاط كأنه يتعجل القيام من فراشه الهزاز الصغير.
■ إنت صحيت يا حبيبى؟؟.. يا خلاسى على جماله.. أحلى حاجة بتعملها أمك إنها بتجيبك تونسنى وتروح شغلها كل يوم.. بابقى مفلوقة منها لما تستفرد بيك فى الويك إند.. ثوانى.. تعالى بقى نغير ونتشطف ونتبدر ونبقى فلة وقشطة وبعدين ناكل.. عاملالك شوربة خضار تجنن، فيها كل أنواع الخضار الطازة وصدر فرخة وحتة زبدة وضارباهالك فى الخلاط.
■ ياخواتى ياخواتى ع الجمال.. تبارك الرحمن.. بحبك قوى لما مزاجك يروق عشان بقيت زى الفل واستحميت.. شفت القُصة اللى عملتهالك فى شعرك؟؟.. استنى.. حاصورك بالموبايل صورة النهاردة وبعدين ناكل بقى.. الله.. أجمل إحساس فى الدنيا لما باخدك فى حضنى وأأكلك.. وانت باصصلى وبتبحلق فيا وكل معلقة يعجبك طعمها تبصلى فى حب كده كإنك بتقوللى شكرا.
■ أغنيلك إيه بقى وانت بتاكل؟؟.. مش عارفة ليه كل الغنا راح من بالى.. لحد من سنة ونص كنت فاكرة كل الأغانى.. راحوا.. أغنيلك أغنية بلادى بلادى؟؟.. دى حلوة قوى.. عملها سيد درويش زمااااااااان.. بس لسه عايشة.. ماهى الذكرى الجميلة والفن المبدع يعيش العمر يا حبيبى.. بلادى بلادى بلادى.. لكى حبى وفؤادى.. مصر يا أم البلاد.. أنتى غايتى والمراد.
■ يا خبر.. آسفة قوى.. ماتكشرش يا حبيبى.. أنا مش بعيط.. دى دموع الذكرى والحنين.. ماهو انت لما بتدخل ف حضنى بتفتح صندوق ذكرياتى وبتصحى أيامى اللى قربت تخلص.. لما بضُمك روحى بتصحى ومعاها كل مشاعرى.
■ تعرف؟؟.. أنا طول اليوم واقفة فى الشباك.. براقب مصر.. ماهو شارعنا ده فيه كل الأطياف والألوان.. مصر صغيرة كده على قد شباكى.. وافتكر غنوة صلاح جاهين والمصريين.. الشوارع حواديت.. كان هو يقول الكلام وإيمان يونس تقول معاه.. لحن جميل قوى لهانى شنودة.. أقولك حتة منها؟؟.. أهى دى مابتموتش جوايا.. الشوارع حواديت.. حوداية الحب فيها.. وحوداية عفاريت..الشارع ده أوله بساتين وآخره حيطة سد.. عشت فيه قصة غرام ماحكيتش عنها لأى حد.. من طرف واحد وكنت سعيد قوى.. بس حراس الشوارع حطوا للحدوتة حد.. فعلا حراس الشوارع حطوا للحدوتة حد.. عفاريت الشوارع عكروها ورعبوا ناسها.. لما ببص مالشباك بشوف شارع عجوز.. وكل ما أشوف عجزه.. أعجز أنا كمان.. وأروح أبص فى المراية ماالاقينيش.. أشوف كراميش شقت طريقها على وشى بفعل الغضب.. مع إنى كنت حلوة زمان.. أنا ومصر الصغيرة اللى على قد شباكى.. كنا زى القمر.. كنت أشم نسيمها العليل أصغر وتترد روحى جوايا.. كان الهوا مليان زى الأوقات دى بريحة الفل والياسمين.. يهف على وشك تلاقى نفسك بتحب.. بتحب إيه أو مين؟.. مش مهم.. المهم إنك بتتملى بالحب.. كان عندنا حاجة اسمها نسمة العصارى.. وكان فيه نيل وكورنيش وحبّيبة يتمشوا عليه.. ويعلقوا عقود الفل ف صدورهم وعلى إيديهم وياكلوا درة مشوى وجرانيتا.. يصرفوا فى الفسحة دى خمسة صاغ.. عشرة.. بالكتير جنيه.. ويروّحوا كأنهم كانوا على الكروازيت وأحلى كمان.. لا كان حد بيعكر صفوهم ولا يكرههم ف عيشتهم ويكفرهم ويقرفهم ولا حاجة.. دلوقتى اللى بيمشوا ع الكورنيش دول.. مش حبّيبة قد ما همه طفشانين من قهر وفقر وكتمة.. بيخطفوا دقايق لإنهم حاسين إن مالهمش بكره.. معادش حد مآمن لبكره.. أو مصدق إنه موجود أصلا.
■ تعالى ف حضنى أكتر.. أنا وانت نستخبى ف بعض.. أحضنك جوه سنينى الجميلة اللى عشتها ومش شايفة ليها كمالة.. حتة منى بتقوللى نفسى أعيش كمان وحتة تانية بتقول بلاش طمع.. على الأقل أنا عشت شوية كويسين.. لو عمرى خلص النهاردة حاكون شاكرة وحامدة.. الدور والباقى على ولاد الزمان ده.. حايعيشوا إمتى دول؟؟.. مصروفلهم بكره ولاَّ خلاص كده؟؟.. تعالى أخبيك من بكره بتاعك.. يا الله.. شكله إيه بكره بتاعك ده وانت لسه ماقلتش ياهادى؟؟
■ إنت عارف؟؟.. إحنا قمنا بثورة.. آه والله.. ثورة عظيمة.. كان نفسى أقعد أحكليك عليها عشان أما تكبر يبقى عندك حواديت تتباهى بيها بين أصحابك وتقول جدتى حكتلى ووصفتلى كإنى شفت بعينى.. بس يا خسارة يا حبيبى.. مش قادرة أحكيلك كتير.. همه كام يوم.. شفنا فيهم مجد السنين كلها.. كل واحد فينا كان بطل م اللى بيحكوا عنهم ف الأساطير.. لكن.. عفاريت الشوارع ظهرت وكشرت عن أنيابها وضوافرها ورشقتها فى رقابنا كلنا وحطت للحدوتة حد.. وقعتنا ف بعض وشككتنا ف عقيدتنا ووطنيتنا لما قربنا نكره الاتنين.. لو أحكيلك إحنا شفنا إيه فى السنة ونص دول.. عمرك ما حاتصدق.. ولا حاتعرف تحفض التفاصيل عشان تعقلها أو ترددها أو تفتخر بيها كمان.
■ مصر الصغيرة بتاعتى بتتقطّع.. زى الغزالة الضحية اللى بيتخانق عليها ضبعين جعانين وبيمزعوا ف لحمها بأنيابهم.. بس الأكادة بقى واللى همه مش واخدين بالهم منه.. إنها لسه صاحية وفيها الروح.. قوتها خايرة وحتى مش قادرة تصرخ.. وأنا واقفة فى شباكى أراقبها.. لا حول ليا ولا قوة.. كنت فاكرة إن ليا دور.. حاولت أنزل الشارع كذا مرة أزود عنها.. اتزقيت وانضربت.. واتقاللى اطلعى منها إنتى مش طرف.. رجعت للشباك أراقب كإنى روح مغصوبة تفارق جسمها.
■ يا حبيب قلبى إنت نمت؟؟.. افتكرتنى بحكيلك حدوتة زى كل يوم؟؟.. غريبة قوى.. أول مرة أشوف رضيع ينام ويغمض عينيه.. لكن تنزل منهم دموع.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق