الموقف الآن أن هناك مواطنا مصريا يواجه دولة بأكملها اسمها المملكة العربية السعودية، والمفروض أن أحمد الجيزاوى لايزال متهما ـ مجرد متهم ـ من قبل السلطات السعودية التى تملك وحدها الكلام فى الموضوع، فهى التى قبضت عليه وادعت عليه بالإساءة للذات الملكية، ثم طورت ادعاءها باتهامه بتهريب أدوية محظور دخولها، وهى التى تمسك بالدفاتر ومحاضر الاتهام والتحقيق والتلفيق وانتزاع الاعترافات، والضغط والتهديد.
بينما الطرف الآخر لا حول له ولا قوة، أعزل من كل سلاح، لا محامى يدافع عنه، ولا دبلوماسية تعتبره من رعاياها، وتشعره بأنه مواطن حتى لو كان مخطئا، ولا حكومة تغضب أو تنفعل، بل بالعكس تمارس الاعتذار المنبطح، حتى من قبل أن يصدر حكم فى القضية.
وكله كوم، وهذا الإحساس بالدونية والتقزم فى مواجهة الأزمة كوم آخر، ذلك أن البعض إيثارا للسلامة، قرر أن يبادر بجلد الجيزاوى قبل أن يصدر عليه الحكم، ورأينا إعلاما يعتذر ويقبل الأيادى واللحى مستبقا دفاع الجيزاوى عن نفسه فى مناخ يوفر أبسط شروط العدالة.
إن أحدا لم يغضب على سياسة لى الذراع التى مورست من خلال إغلاق السفارة والتهديد بوقف التأشيرات، والضغط بورقة العمالة المصرية هناك، واستدعاء السفير، وهذه كلها بلغة الدبلوماسية إجراءات مهينة للطرف الآخر، تستدعى الشعور بالغضب والإهانة فى أى دولة فى العالم.
لقد كان من المتصور مثلا قبل رقصة الاعتذار المجنونة أن تطلب الحكومة المصرية من السلطات السعودية حضور فريق دفاع مصرى مع المتهم، يحضر التحقيقات من أولها، ويترافع عن «المتهم» وينقل للرأى العام المصرى الصورة كاملة، وساعتها كان يسهل التعامل مع الغضب الشعبى.
غير أن الذى حصل أن الحكومة المصرية تعاملت من موقف التابع الأضعف، واعتبرت كل ما يصدر عن السلطات السعودية حقا لا يأتيه الباطل ولا يجوز الرد عليه أو مناقشته.
وإذا كان ذلك مفهوما من حكومة هى امتداد طبيعى لنظام وصل به الهزال والتقزم إلى أن اعتبر مصر كيانا صغيرا يدور فى فلك السعودية، فإنه غير مفهوم على الإطلاق من قوى سياسية تدعى أن مصر شهدت ثورة من أجل كرامة مواطنيها وكانت مشاركة فيها، ومن إعلام كان من المفترض ألا يستسلم للرواية السعودية، والتسليم المصرى الرسمى بها، قبل أن ينقشع الغبار عن هذه القضية وتظهر الحقيقة.
إن أحدا لا يبحث عن وقيعة بين مصر والسعودية، أو أى دولة عربية أخرى، ولا يسعى إلى المساس بالمصلحة المصرية ولا بوضعية العمالة فى أى مكان.. كل ما نريده أن يعى الجالسون فى مقاعد الحكم أنهم يقودون دولة كبيرة وليست جزيرة تعيش على فتات موائد الأغنياء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق